قوله: ﴿قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ﴾ [الحديد: ١٣] قال ابن عباس: يقول المؤمنون لهم.
وقال مقاتل: قالت لهم الملائكة: ارجعوا وراءكم، من حيث جئتم من الظلمة، فالتمسوا نورًا.
فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور، فلا يجدون شيئًا، فينصرفون إليهم ليلحقوهم، فيميز بينهم وبين المؤمنين، وهو قوله: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ﴾ [الحديد: ١٣] أي: بين المؤمنين والمنافقين، ﴿بِسُورٍ﴾ [الحديد: ١٣] وهو الحائط، له لذلك السور، ﴿بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾ [الحديد: ١٣] في باطن ذلك السور الرحمة، وهي: الجنة التي فيها المؤمنين، وظاهره وخارج السور، ﴿مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: ١٣] أي: من قبله يأتيهم العذاب، يعني: جهنم والنار، قال قتادة: هو حائط بين الجنة والنور.
والمعنى: أن المؤمنين يسبقونهم فيدخلون الجنة، والمنافقون يحصلون في العذاب والنار، وبينهم السور الذي ذكره الله تعالى.
﴿يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ [الحديد: ١٤] وهو أن المؤمنين إذا فاتوا المنافقين ينادونهم من وراء السور، ﴿أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ [الحديد: ١٤] نصلي بصلاتكم في مساجدكم، ﴿قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحديد: ١٤] استعملتموها في الكفر، والمعاصي، والشهوات، وكلها فتنة، ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾ [الحديد: ١٤] بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الموت، وقلتم: يوشك أن يموت، فنستريح منه، ﴿وَارْتَبْتُمْ﴾ [الحديد: ١٤] شككتم في نبوته، وفيما أوعدكم، ﴿وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ﴾ [الحديد: ١٤] يعني: ما كانوا يتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين، ﴿حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ [الحديد: ١٤] يعني: الموت، قال قتادة: ما زالوا في خدعة من الشيطان حتى قذفهم الله في النار.
وهو قوله: ﴿وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [الحديد: ١٤] أي: وغركم الشيطان بحلم الله، وإمهاله.
﴿فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ﴾ [الحديد: ١٥] بدل بأن تفدوا أنفسكم من العذاب، ﴿مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ﴾ [الحديد: ١٥] هي أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب والمعاصي، والمعنى: أنها هي التي تلي عليكم، لأنها قد ملكت أمركم، فهي أولى بكم من كل شيء.
قوله: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ {١٦﴾ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿١٧﴾ } [الحديد: ١٦-١٧].
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحديد: ١٦] يقال: أني لك يأني إنى إذا حان، يقول: أما حان للمؤمنين، ﴿أَنْ تَخْشَعَ﴾ [الحديد: ١٦] ترق، وتلين قلوبهم، لذكر الله أي: يجب أن يورثهم الذكر خشوعًا، ﴿وَلا يَكُونُوا﴾ [الحديد: ١٦] كمن يذكره بالغفلة فلا يخشع قلبه للذكر.