الكافر في الدنيا غاية ما يتمنى فيها، لقلتها عنده، ولكنه عز وجل لم يفعل ذلك، لعلمه بأن الغالب على الخلق حب العاجلة، ثم أخبر أن جميع ما ذكر إنما يتمتع به في الدنيا، فقال: ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف: ٣٥] الفراء على تخفيف لما وهو لغو، والمعنى: لمتاع الحياة الدنيا، وقرأ حمزة: لما بالتشديد، جعله في معنى إلا، حكى سيبويه: نشدتك الله لما فعلت، بمعنى: إلا فعلت، ويقوي هذه القراءة أن في حرف أُبَيِّ: وما ذلك إلا متاع الحياة الدنيا قال ابن عباس: يزول ويذهب.
وقال مقاتل: يتمتعون فيها قليلا.
والآخرة يعني: الجنة، ﴿عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٣٥] خاصة لهم.
قوله: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {٣٦﴾ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴿٣٧﴾ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴿٣٨﴾ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴿٣٩﴾ } [الزخرف: ٣٦-٣٩].
﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ [الزخرف: ٣٦] يعرض عن القرآن، ويقال: عشوت إلى النار أعشو عشوا، أي: قصدتها مهتديا بها، وعشوت عنها: أعرضت عنها، كما تقول: عدلت إلى فلان، وعدلت عنه، وملت إليه، وملت عنه، قال الزجاج: معنى الآية: أن من أعرض عن القرآن وما فيه من الحكمة، إلى أباطيل المضلين، نعاقبه بشيطان، نقيضه له حتى يضله، ويلازمه قرينا له، فلا يهتدي، مجازاة له حين آثر الباطل على الحق البين.
وهو قوله: ﴿فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: ٣٦] صاحب له، يزين له العمى، ويخيل إليه أنه على الهدى، وهو على الضلالة.
وذلك قوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ [الزخرف: ٣٧] وإن الشياطين ليمنعونهم عن سبيل الهدى، وجمع الكناية، لأن قوله: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا﴾ [الزخرف: ٣٦] في مذهب جمع، وإن كان اللفظ على الواحد، ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٣٧] يحسب كفار بني آدم أنهم على هدى.
٨٢٧ - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ، أنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو يَعْلَى، نا مُحَرِزُ بْنُ عَوْنٍ، نا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ، نا


الصفحة التالية
Icon