فصل:


وقد تكلم على معنى هذا الحديث كلاما شافيا صاحب "كتاب الدلائل"، -وهو القاسم بن ثابت بن عبد الرحمن [٤٧ ظ] العوفي السرقسطي (١) رحمه الله- فذكر الوجه الذي بدأنا به في أول الفصل الماضي، وهو الوجه الذي استحسنه ابن عبد البر من قول بعضهم (٢)، وإنما نقله أبو عمر من كتاب قاسم، ثم قال القاسم عقيبه":
"وفي هذا التفسير ما رغب بعض الناس بقائله عنه، وإن كان قد ذهب مذهبا واستنبط عجبا؛ لأنه اخترع معنى لا نعلم أحدًا من السلف قال به، ولا أشار إليه، وليس للخلف الخروج عن السلف، ولا رفض عامتهم لمذهب لم يسلكوه، وتأويل لم يطلقوه، ونقول -وبالله التوفيق- بالذي صحت به الآثار، وتواطأت عليه الأخبار، وتأويله من أهل التفسير من لا يدفع نقله ولا يتهم نظره، وإن الله تبارك وتعالى بعث نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعرب متناءون في المحال والمقامات، متباينون في كثير من الألفاظ واللغات، ولكل عمارة لغة دلت بها ألسنتهم، وفحوى قد جرت عليها عادتهم، وفيهم الكبير العاسي والأعرابي القح، ومن لو رام ففي عادته وحمل لسانه على غير ذريته تكلف منه حملا ثقيلا، وعالج منه عبئًا شديدا، ثم لم يكسر غربه ولم يملك استمراره إلا بعد التمرين الشديد، والمساجلة الطويلة، فأسقط
(١) هو القاسم بن ثابت بن حزم بن عبد الرحمن بن مطرف بن سليمان العوفي السرقسطي، أبو محمد، عالم الحديث، واللغة والفقه، توفي سنة ٣٠٢هـ "فهرست ابن خير ص١٩١، بغية الوعاة ص٢٧٦، نفح الطيب ١/ ٢٥٥".
(٢) انظر ص١١٣-١١٥.


الصفحة التالية
Icon