وسفك الدماء وتقطيع الأرحام، فرسموا لهم مصحفا، أجمعوا جميعا عليه وعلى نبذ ما عداه لتصير الكلمة واحدة، فكان ذلك حجة قاطعة وفرضا لازما".
قال: "وأما ما اختلف فيه أئمة القراءة بالأمصار من النصب والرفع والتحريك والإسكان والهمز وتركه والتشديد والتخفيف والمد والقصر وإبدال حرف بحرف يوافق صورته [٥٧ و] فليس ذلك بداخل في معنى قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُنزل القرآن على سبعة أحرف".
قال: "وذلك من قبل أن كل حرف اختلفت فيه أئمة القراءة لا يوجب المراء كفرًا لمن مارى به في قول أحد من المسلمين، وقد أثبت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكفر للمماري بكل حرف من الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن".
ثم قال: "فإن قيل: فما السبب في اختلاف هؤلاء الأئمة بعد المرسوم لهم، ذلك شيء تخيروه من قبل أنفسهم، أم ذلك شيء وقفوا عليه بعد توجيه المصاحف إليهم؟
"قيل: لما خلت تلك المصاحف من الشكل والإعجام وحصر الحروف المحتملة على أحد الوجوه وكان أهل كل ناحية من النواحي التي وجهت إليها المصاحف قد كان لهم في مصرهم ذلك من الصحابة معلمون كأبي موسى (١) بالبصرة وعلي وعبد الله بالكوفة وزيد وأبي بن كعب بالحجاز ومعاذ وأبي

(١) هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار اليماني، أبو موسى الأشعري، صحابي من شجعانهم الفاتحين وأحد الحكمين اللذين بين علي ومعاوية بعد حرب صفين، كان من أطيب الصحابة صوتا بالقرآن، توفي سنة ٤٤هـ على خلاف "الطبقات الكبرى ٤/ ١٠٥، صفة الصفوة ١/ ٢٢٥، غاية النهاية ١/ ٤٤٢، الإصابة ٢/ ٣٥٩".


الصفحة التالية
Icon