فجلسنا، وجعل الناس يأتون بالقرآن، منهم من يأتي به في الصحيفة، ومنهم من يأتي به في العسب حتى عرفنا من ذلك. وفي رواية: فقال أبو بكر لزيد: ثم فاقعد على باب المسجد، فكل من جاءك بشيء من كتاب الله عز وجل تنكره فاطلب منه شاهدين، ثم قال: يا عمر، قم [٢١ ظ] فكن مع زيد، قال عمر: فقمنا حتى جلسنا على باب المسجد فأرسلت إلى أبي بن كعب فجاء، فوجدنا مع أبي كتبا مثل ما وجدنا عند جميع الناس.
ومنها: أن عمر بن الخطاب جعل يذكر قتلى اليمامة وما أصيب من المسلمين وأن القتل يومئذ استحر بأهل القرآن، ثم يقول: جعل مناد ينادي: يا أهل القرآن، فيجيبون المنادي فرادى ومثنى، فاستحر بهم القتل، فرحم الله تلك الوجوه، لولا ما استدرك خليفة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جمع القرآن لخفت أن لا يلتقي المسلمون وعدوهم في موضع، إلا استحر القتل بأهل القرآن. وفي رواية: لما قتل أصحاب اليمامة دخل عمر بن الخطاب علي أبي بكر رضي الله عنهما فقال: إن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تهافتوا في القتل يوم اليمامة كما يتهافت الفراش في النار، وإني أخاف أن لا يشهدوا مشهدًا، إلا فعلوا ذلك، وهم حملة القرآن، فيضيع القرآن ويذهب.
قال القاضي أبو بكر: ومن تأمل مجيء هذه الأخبار وألفاظها علم وتيقن أن أمر القرآن كان بينهم ظاهرًا منتشرًا، وأن حفاظه إذ ذاك كانوا في الأمة عددًا عظيما وخلقا كثيرا. قال: وروى موسى بن عقبة (١) عن

(١) هو موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المدني، مولى آل الزبير بن العوام، من رجال ثقات الحديث، عالم بالمغازي والسيرة النبوية وصنف فيها، توفي سنة ١٤١هـ "تذكرة الحفاظ ١/ ١٣٩، تهذيب التهذيب ١٠/ ٣٦٠".


الصفحة التالية
Icon