أربع سور البقرة والنساء وقد عطف فيهما ذوى القربى على الوالدين بالتبع قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى﴾ ١ الآية وفي النساء قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى﴾ ٢ الآية. وفي الأنعام التي نحن بصدد الكلام عنها، وفي الأحقاف٣ هذا لبيان اهتمام الكتاب العزيز بشأن الوالدين وإلا لولم يرد فيه إلا قوله تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ دون توكيد لكفى في الدلالة على عظم عناية الشرع بأمر الوالدين بما تدلى عليه الصيغة والتعدية، فكيف وقد قرنه بعبادته، وجعله ثانيهما في الوصايا، وأكده في سورة الإسراء٤، كما قرن شكرهما بشكره في سورة لقمان٥ والأمر بالإحسان إلى الوالدين عام يشمل الأبوين المسلمين، والكافرين إلا إن أمرا بمعصية فلا طاعة لهما قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا﴾ ٦ الآية. وقال تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾ ٧ الآية. فالآيتان ظاهرتان في عدم طاعة الوالدين في معصية الله وهما آمرتان ببر الوالدين ولو كانا كافرين، يوضح هذا سبب نزول الآيات قال الواحدي٨ رحمه الله تعالى: قال المفسرون: نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وذاك أنه لما أسلم قالت له أمه حمنة: "يا سعد بلغن أنك صبوت، فوالله لا يظلني سقف بيت من الضح٩ والريح، ولا آكل ولا أشرب، حتى تكفر بمحمد، وترجع إلى ما كنت عليه". وكان أحب ولدها إليها، فأبى سعد رضي الله عنه، وصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ولم تشرب، ولم تستظل بظل، حتى خشي عليها، فأتى سعد النبي ﷺ وشكا ذلك إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي في لقمان والأحقاف١٠، وساق الواحدي رحمه الله القصة بسنده
١١ من طريق أبي

١ الآية (٨٣) من البقرة.
٢ الآية (٣٦) من النساء.
٣ الآية (١٥).
٤ الآية (٢٣).
٥ الآية (١٤).
٦ الآية (٨) من العنكبوت.
٧ الآية (١٥) من لقمان.
٨ أبو الحسن على بن أحمد الواحدي.
٩ الشمس.
١٠ الآية (١٥).
١١ أسباب النزول صر ٣٥٦.


الصفحة التالية
Icon