يعلى١ قال حدثنا أبو خيثمة. وهو زهير بن حرب شيخ الإمام مسلم الذي أخرج القصة أيضا عنه بسنده عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية في... القصة ٢. وجاء في رواية أن سعدا رضي الله عنه قال لأمه: "لا تفعلي يا أمه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء، قال فمكثت يوماً وليلة لا تأكل، فأصبحت وقد اشتد جهدها، قال فلما رأيت ذلك قلت: تعلمي والله يا أمه، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً، ما تركت ديني هذا لشيء، إن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت"٣.
هذه القصة الثابتة في سبب نزول الآية تؤكد أن طاعة الوالدين الكافرين واجبة في المعروف قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد أن ذكر سبب النزول: "اقتضت الآية الوصية بالوالدين، والأمر بطاعتهما، ولو كانا كافرين، إلا إذا أمرا بالشرك- أو بمعصية- فتجب معصيتهما في ذلك، ففي الآية بيان ما أجمل في غيرها" ٤، وقد جاء في كتاب الله عز وجل ما قد يفهم منه معارضة لقوله تعالى: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾ لاسيما إذا كان الوالدان كافرين، وذلك قوله تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ﴾ ٥ الآية فالنص على الآباء في الآية مشعر بوجوب عدم الموادة للأبوين الكافرين، قال الشيخ محمد الأمين رحمه الله جواباً عن هذا الأمر: "الذي يظهر لي والله تعالى أعلم: أنه لا معارضة بين الآيتين، ووجه الجمع بينهما أن المصاحبة بالمعروف أعم من الموادة، لأن الإنسان يمكنه إسداء المعروف لمن يوده ومن لا يوده، والنهي عن الأخص لا يستلزم النهي عن الأعم، فكأن الله حذر من الوادة المشعرة بالمحبة والموالاة بالباطن لجميع الكفار، يدخل في ذلك الآباء وغيرهم، وأمر الإنسان بأن لا يفعل لوالديه إلا المعروف، وفعل المعروف لا يستلزم المودة، لأن المودة من أَفعال القلوب، لا من أفعال أن الجوارح، ومما يدل لذلك إذنه ﷺ لأسماء أن تصل أمها وهي كافرة٦، وقال بعض العلماء: إن قصتها سبب لنزول قوله تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ " ٧ الآية.
٢ صحيح مسلم ٣/١٣٦٧، ٤/١٨٧٧
٣ أسباب النزول ص ٣٥٦، ٣٥٧ وانظر ابن كثير ٣/٤٤٥ والفتح ١٠/٤٠٠
٢٤ الفتح ١٠/٤٠١
٥ الآية (٢٢) من المجادلة.
٦ أخرجه الإمام البخاري بسنده عن أسماء رضي الله عنها قالت:"قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله ﷺ فاستفتيت رسول الله ﷺ قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلى أمك" (صحيح مع الفتح ٥/٢٣٣)
٧ ألآية (٨) من الممتحنة.