القلوب١. والأولى حمل الآية على العموم في هذا، وأنها كقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ ٢ ولا فرق بين الآثام الظاهرة والباطنة لذلك قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾ ٣. أي سواء كان ظاهراً أو باطناًَ، فالجزاء واقع لا محالة، مَا لم تقع التوبة، أو يحظ العبد بعفو ربه وكرمه٤ اللهم ارحمنا ووفقنا لصالح الأعمال، وقنا سيئها، ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته.
الإيضاح:
قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ﴾.
إن المتأمل لهذا النهي يجد أنه وقع بين نهين:
النهي الأول: قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ﴾.
والنهي الثاني: قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ﴾ وهو نهي عن القتل مطلقاً. وقد حاول بعض المفسرين أن يجد علة لذلك، لأننا إذا اعتبرنا المراد بالفواحش الزنا، فإنها بهذا المعنى جناية عظيمة وهي جناية على النسل، وقتل جميع الحقوق المرتبة عليه، فكأن ذلك في حكم قتل الأولاد، وأولاد الزنا في حكم الأموات لاسيما في الحقوق المتعلقة بالنسل، وإذا كان قول النبي ﷺ في العزل: "ذلك الوأد الخفي" منفراً عن هذه الصفة فلا ريب أن عقوبة الزاني ربما تكون مضاعفة بهذا الاعتبار والله أعلم. وهذا المعنى تلمسه بعض المفسرين٥.
أما إذا اعتبرنا العموم وهو ما نراه في هذا الموضوع فلا تظهر علة للتوسط المذكور وإنما هي محرمات أوصى الله عباده باجتنابها، وإذا كانت الفواحش ما عظم قبحه من الأقوال والأعمال. ولاشك أن تجاوز ما حرم الله من الفواحش وأعظمها الشرك بالله. والخطر كامن في تجاوز الحدود وانتهاك الحرمات أعاذنا الله من ذلك. ولعل التحذير من الاقتراب من الفواحش مبالغة في الزجر عنها لقوة الدواعي إليها، ومعلوم أن الاقتراب من الشهوة المحرمة يدعوا إلى اقترافها ومباشرة ما نهى الله عنه، وكم من إنسان ضعفت نفسه أمام شهوته، وحام حول الحمى فوقع فيه.
٢ الآية (٢٣) من الأعراف.
٣ الآية (١٢٠) من الأنعام.
٤ وممن ذهب إلى القول بالعموم الطبري ٨/ ٦١ والرازي ١٣/٢٣٣.
٥ انظر (الإرشاد ٣/ ١٩٩).