ومعنى الآية الكريمة: أن ما وصى الله به عباده عدم الاقتراب من الأعمال المؤدية إلى ما حرم الله والابتعاد عن الخصال السيئة التي منها الزنا، واللواط، وقذف المحصنات، ونكاح أزواج الآباء، وكل ما سماه الله عز وجل فاحشة، وجب الابتعاد عنه، فهو مما ثبتت شدة قبحه شرعاً وعقلاً، وقد كان الجاهليون يستقبحون الزنا، ويعدونه أكبر العار، ولاسيما إذا وقع من الحراير١، وكان وقوعه منهن نادرا، وإذا كان الأمر كذلك، فمن شرفهم الله عز وجل بالشرع المحمدي أولى بالعفة والنزاهة، بيد أن ذلك لم يحدث في الجاهلية علناً إلا في الإماء والجواري، فقد كانت المجاهرة منهن، في حوانيت ومواخير تمتاز بأعلام حمر، فيختلف إليَها الأرذلون منهم، أما الأشراف فلا يعلنون ذلك وقد يتخذون الأخدان سراً، قال الإمام الطبري رحمه الله: حدثني المثنى٢ قال: ثنا عبد الله بن صالح٣، ثنى معاوية٤، عن على بن أبي طلحة٥، عن ابن عباسِ قوله: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ قال: "كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأساًَ في السر، ويستقبحونه في العلانية، فحرم الله الزنا في السر والعلانية"٦. قوله تعالى: ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ يفهم من هذا القول الكريم أن العبد لابد أن يراقب الله عز وجل ويحذر المحرمات في جميع أحواله وهذا معنى التقوى في قول رسول الله ﷺ لابن عباس: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك" الحديث٧ وأصرح من هذا ما أخرجه الدارمي حيث قال: حدثنا أبو نعيم٨، ثنا سفيان٩، عن حبيب بن أبي ثابت١٠، عن ميمون بن أبي شبيب١١، عن أبي ذر قال: قال رسول الله
٢ المثنى بن إبراهيم الآملي. صرح باسمه كاملاً في الأثر رقم ٥٩٤ (١/٤٣٧ النسخة المحققة) ولم أقف عليه مترجما.
٣ كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين.
٤ الحضرمي، قاضي الأندلس، صدوق له أوهام، مات سنة ثمان وخمسين ومائة.
٥ مولى بن العباس. أرسل عن ابن عباس ولم يره، صدوق يخطئ، وهو من رجال مسلم. مات في سنة ثلاث وأربعين ومائة وانظر (ابن معين ص هـ ٨) والمصادر التي أحيل عليها.
٦ الطبري ٨/ ٦١ وأخرجه بسنده موقوفاً على الضحاك، ومن طريق أخرى موقوفاً على قتادة.
٧ أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح ٤/٦٦٧، وفي السند ابن لهيعة وليس بقادح لأنه مقرون بالليث بن سعد، وروى عنهما عبد الله بن المبارك. وأخرجه أحمد من طريق ليث وحده (المسند ١/٢٩٣).
٨ الفضل بن دكين، من كبار شيوخ البخاري، ثقة ثبت.
٩ الثوري، الحجة، الفقيه، قال البخاري: ما أقل تدليسه. انظر (التبيين ص ٢٧).
١٠ ثقة، فقيه جليل، وصف بكثرة التدليل والإرسال. (المصدر السابق).
١١ الربعي، صدوق، كثير الإرسال، مات سنة ثلاث وثمانين.