قوله: ﴿إِلا بِالْحَقِّ﴾.
المراد به ما يبيح قتل النفس التي حرم الله قتلها شرعاً. ومنه المذكور في الأسباب الآتية:
١- النفس بالنفس قال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ ١ الآية وقال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ٢.
٢- الوقوع في الزنا بعد الإحصان. وقد جاء في كتاب الله عز وجل مما بقي حكمه ونسخت تلاوته "الشيخ والشيخة فَأرجموهما البتة"٣ يعني إذا زنيا فذاك عقابهما وجاء في الحديث المتفق عليه أن النبي ﷺ قال: " لا يحل دم إمرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" ٤.
٣- المرتد عن الدين، التارك لجماعة المسلمين. كما ورد في الحديث آنفا.
٤- المحاربون لشرع الله الذين يسعون بالفساد في الأرض. ومنهم قطاع الطرق، وما يسمون بالإرهابيين اليوم، والساطون على أعراض الناس، ودمائهم، وأموالهم. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾ ٥ الآية.
ثم إنه تعالى لما بين أحوال هذه الوصايا الخمس أتبع ذلك اللفظ الذي يقرب إلى القلوب القبول فقال: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ﴾ لما فيه من الشمول للأمر والنهي، ولما فيه من اللطف والرأفة، كل ذلك ليكون القلب أقرب إلى القبول، ثم أتبعه عز وجل بقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ولعل هنا ليست على بابها، أي لكي تعقلوا فوائد هذه الوصايا في الدين والدنيا. ومن تأمل قوله: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ﴾ يجد أن استخدام اسم الإشارة للبعيد له دلالة تنبئ عن عظمة هذه الوصايا وبعد ما ترمي إليه من إصلاح الدين والدنيا، وما فيها من الحكم والأحكام الإلهية التي تضمنت الكمال المطلق في الهداية والتوجيه، وإصلاح الإنسانية في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

١ الآية (٤٥) من المائدة.
٢ الآية (١٧٩) من البقرة.
٣ انظر (الموطأ ٢/ ٨٢٤).
٤ انظر (الصحيح مع الفتح ١٢/ ٢٠١ وصحيح مسلم ٣ / ١٣٠٢).
٥ الآية (٣٣) من المائدة. ولتمام الفائدة انظر (الرازي ١٣/٢٣٣).


الصفحة التالية
Icon