ولما كانت الوصية الخامسة تنهى عن القتل بغير حق فإنه يحسن الكلام عن القتل وأقسامه.
إن الدارس لهذه القضية يجد أن الأكثرين من العلماء يرون القتل أقساماً ثلاثة:
١- العمد ٢- شبه العمد ٣- الخطأ.
وممن يرى هذا التقسيم عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ولهما فيه قضاء١ وبه قال الشعبي، والنخعي، وقتادة، والثوري، والإمام الشافعي، ِ والإمام أحمد، وأهل العراق، وأصحاب الرأي رحم الله الجميع، ونقل عن الإمام مالك رحمه الله أنه أنكر شبه العمد وقال: "ليس في كتاب الله عز وجل إلا العمد، والخَطأ"، فهو لا يعمل بشبه العمد، وجعله من قسم العمد. وحكى عنه مثل قول الجماعة٢.
ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور ما أخرجه أبو داود وقال: حدثنا سليمان بن حرب٣ومسدد٤ قالا: حدثنا حماد٥، عن خالد٦، عن القاسم بن ربيعة٧، عن عقبة بن أوس٨، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال: "… ألا إن دية الخطأ شبه العمد، ما كان بالسوط والعصا، مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها"٩. وهذا الحديث الذي لا يقل عن درجة الحسن نص يصد ما نقل عن الإمام مالك رحمه الله من إنكاره شبه العمد، وقد زاد أبو الخطاب قسماًَ رابعاًَ، وسماه (ما أجري مجرى الخطأ) نحو أن ينقلب نائم على شخص فيقتله، أو يقع عليه من علو، ومنه القتل بالسبب، كحفر البئر، ونصل السكين، ومنه قتل غير المكلف، فقد أجري مجرى الخطأ، وإن كان عمداً، لكن هذه الصورة التي ذكرها أبو الخطاب رحمه الله هي عن الأكثرين من قسم الخطأ، لأن صاحبها ليس من أهل القصد الصحيح، ولذلك أعطوه حكم الخطأ لأنه خطأ في الواقع. ويحسن في هذه العجالة إعطاء فكرة مبسطة عن كل قسم.
٢ المغني مع الشرح الكبير ٩ / ٣٢٢.
٣ البصري، إمام حافظ ثقة، مات سنة أربع وعشرين ومائتين.
٤ ابن مسرهد، البصري، ثقة، حافظ، أول من صنف المسند مات سنة ثمان وعشرين ومائتين.
٥ ابن زيد، البصري، ثقة، ثبت فقيه، مات سنة تسع وسبعين ومائة.
٦ ابن مهران، الحذاء، ثقة، يرسل، من كبار الخامسة.
٧ ابن جوشن، البصري، ثقة، من الثالثة.
٨ البصري، صدوق من الرابعة.
٩ أبو داود ٤/ ٧١١-٧١٢.