ورجوع بإذنه. وقرأ ابن عامر برفع الأربعة على الابتداء والخبر. والباقون بنصب الثلاثة عطفا على «السموات»، ونصب «مسخرات» على الحال من هذه الثلاثة أَلا لَهُ الْخَلْقُ أي المخلوقات وَالْأَمْرُ أي التصرف في الكائنات وفي هذه الآية رد على من يقول من أهل الضلال إن للشمس والقمر والكواكب تأثيرات في هذا العالم تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤) أي كثر خير الله مالك العالمين وتعالى بالوحدانية في الألوهية ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً أي متذللين ومسرين والتضرع إظهار ذل النفس. قال الشيخ محمد بن عيسى الحكيم الترمذي: إن كان خائفا على نفسه من الرياء فالأولى إخفاء العمل صونا لعمله عن البطلان، وإن كان قد بلغ في الصفاء وقوة اليقين إلى حيث صار آمنا عن شائبة الرياء كان الأولى في حقه الإظهار لتحصل فائدة الاقتداء به إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) أي المجاوزين بترك هذين الأمرين التضرع والإخفاء أي إنه تعالى لا يثيبه ألبتة ولا يحسن إليه
وعن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء وحسب المرء أن يقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل»
«١». ثم قرأ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ أي كإفساد النفوس بالقتل وقطع الأعضاء وإفساد الأموال بنحو الغصب، وإفساد الأديان بالكفر والبدعة، وإفساد الأنساب بسبب الإقدام على نحو الزنا وبسبب القذف، وإفساد العقول بنحو تناول المسكرات بَعْدَ إِصْلاحِها بسبب إرسال الأنبياء وإنزال الكتب. وقيل بعد إصلاح الله تعالى إياها بالمطر والخصب فإن الله تعالى يمسك المطر ويهلك الحرث بمعاصيكم وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً أي ذوى خوف نظرا إلى قصور أعمالكم وعدم استحقاقكم مطلوبكم، وذوى طمع نظرا إلى سعة رحمته ووفور فضله وإحسانه، وهذه الآية بيان فائدة الدعاء ومنفعته ففائدة الدعاء أحد هذين الأمرين أما الآية الأولى فهي بيان شرط صحة الدعاء وهي لا بد أن يكون الدعاء مقرونا بالتضرع وبالإخفاء والداعي لا يكون داعيا إلا إذا كان خائفا من وقوع التقصير في بعض الشرائط المعتبرة في قبول ذلك الدعاء وطامعا في حصول تلك الشرائط بأسرها، ومعنى قوله تعالى: خَوْفاً وَطَمَعاً أي حال كونكم جامعين في نفوسكم بين الخوف والرجاء في كل أعمالكم فلا تقطعوا أنكم أديتم حق ربكم وإن اجتهدتم إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) بالقول والفعل ومن الإحسان أن يكون الدعاء مقرونا بالخوف والطمع وكل من حصل له الإقرار والمعرفة كان من المحسنين كالصبي إذا بلغ وقت الضحوة وآمن بالله ورسوله واليوم الآخر ومات قبل الوصول إلى الظهر وكصاحب الكبيرة من أهل الصلاة وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أي قدام المطر.

(١) رواه ابن حجر في الكاف والشاف في تخريج أحاديث الكشاف (٦٤)، والقرطبي في التفسير (٧: ٢٢٦)، والمتقي الهندي في كنز العمال (٣٢٩٥). [.....]


الصفحة التالية
Icon