كأشقياء الكفرة كعتبة وشيبة- ابني ربيعة- والوليد بن عتبة، وهم الذين بارزوا يوم بدر عليا وحمزة، وعبيدة فقتل على الوليد بن عتبة، وقتل حمزة عتبة بن ربيعة، وقتل عبيدة شيبة بن ربيعة. قيل: نزلت هذه الآية لما قال كفار مكة للمؤمنين، إنا نعطي في الآخرة من الخير مثل ما تعطون وتقرير هذه الآية: إنا نرى في الدنيا من أطاع الله واحترز عن معصيته في الفقر، والزمانة، وأنواع البلاء، ونرى الكفرة، والفساق في الراحة والغبطة، فلو لم يكن حشر ونشر، ومعاد كان حال المطيع أدون من حال العاصي، وذلك لا يليق بحكمة الحكيم الرحيم، وإذا كان ذلك قادحا في الحكمة ثبت أن إنكار الحشر والنشر، يوجب إنكار حكمة الله تعالى كِتابٌ أي هذا قرآن أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ صفة لكتاب مُبارَكٌ، أي كثير المنافع الدينية والدنيوية خبر مبتدأ مضمر.
وقرئ «مباركا» على الحال اللازمة، لأن البركة لا تفارقه، لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ أي ليتفكروا في معانيها اللطيفة، وفي أسرارها العجيبة، وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩) أي وليتعظ به ذوو العقول السليمة، فإن من يتدبر ولم يساعده التوفيق الإلهي لم يقف على الأسرار العجيبة المذكورة في هذا القرآن العظيم، وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ من المرأة التي أخذها من أوريا، نِعْمَ الْعَبْدُ أي سليمان إِنَّهُ أي سليمان أَوَّابٌ (٣٠) أي رجاع إلى الله تعالى بالتوبة، مقبل إلى طاعة الله
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ، أي بعد الظهر الصَّافِناتُ، أي الخيل التي تقوم على طرف سنبك يد أو رجل الْجِيادُ (٣١)، أي سراع الجري. وعن إبراهيم التيمي أنها عشرون ألف فرس. فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي أي إني ألزمت حب الخيل لأجل كتاب ربي وهو التوراة فإن معنى الخير هو المال الكثير. والمراد به هنا الخيل، حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) أي استترت الصافنات عن النظر رُدُّوها أي الصافنات عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣)، أي فردوها عليه، فأخذ سليمان عليه السلام يمسح سوقها وأعناقها، وذلك أن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم، كما أنه كذلك في دين محمد صلّى الله عليه وسلّم، ثم إن سليمان عليه السلام احتاج إلى الغزو فجلس وأمر بإحضار الخيل، وأمر بإجرائها وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وإنما أحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه. وهو المراد من قوله عن ذكر ربي، ثم إنه عليه السلام أمر بتسييرها حتى غابت عن بصره، وهو معنى قوله: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ثم إنه أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخيل إليه، فلما عادت إليه شرع يمسح سوقها وأعناقها تشريفا لها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو، ولأنه أراد أن يظهر أنه يتضع حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه، وأنه يضبط السياسة والملك، ولأنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها، فكان يمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض، وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً.
روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال سليمان: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل امرأة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل: إن شاء الله فطاف عليهن، فلم تحمل إلّا امرأة واحدة جاءت


الصفحة التالية
Icon