النار، فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ أي السفلة من الكفار لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا، أي للقادة الذين تعظموا عن الإيمان: إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً أي أتباعا في دينكم، فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧)، أي فهل تقدرون على أن تدفعوا عنا جزءا من العذاب. والمقصود من هذا الكلام: المبالغة في تخجيل أولئك الرؤساء وإيلام قلوبهم. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا وهم القادة للسفلة: إِنَّا كُلٌّ فِيها أي نحن وأنتم واقعون في هذا العذاب، فلو قدرت على إزالة العذاب عنكم لدفعته عن أنفسنا ف «كل» مبتدأ و «فيها» خبره والجملة خبران.
وقرئ «كلا» بالنصب على التأكيد لاسم «إن»، أي إن كلنا واقعون في النار، ثم يقولون:
إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) أي يوصل إلى كل أحد مقدار حقه من النعيم، أو من العذاب فلا معقب لحكمه، فعند ذلك يحصل اليأس للأتباع من المتبوعين فيرجعون إلى خزية جهنم، وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ من الضعفاء والمستكبرين إذا اشتدت عليهم النار، وقل صبرهم لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ، أي للملائكة الموكلين بعذاب أهل النار، ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) أي يخفف عنا شيئا من العذاب في وقت من الأوقات. قالُوا أي الخزنة:
أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ؟ أي ألم تنتبهوا عن هذا، ولم تكن تأتيكم رسلكم في الدنيا على الاستمرار بالحجج الواضحة الدالة على سوء الكفر والمعاصي قالُوا بَلى أي أتونا بها فكذبناهم، قالُوا أي الخزنة استهزاء بهم وإظهارا لخيبتهم: فَادْعُوا أي إذا كان الأمر كذلك فادعوا أنتم فإنا لا نجترئ على الدعاء ولا نشفع إلا بالإذن في الشفاعة وإلا لمن كان مؤمنا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (٥٠)، أي ضياع. وهذا من كلام الله إخبارا لنبيه، فالوقف على «ادعوا» تام أو من كلام الخزنة- كما قاله الرازي وأبو السعود-
قال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا بالرسل فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بانتقام الكفرة، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) أي يوم يقوم كل من يشهد بأعمال العباد يوم القيامة من ملك، ونبي، ومؤمن بالحجة والاعتذار، يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ من الكفر.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر «لا تنفع» بالتاء الفوقية. والباقون بالياء التحتية وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ أي الإهانة وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢) وهو العقاب الشديد. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى أي التوراة والمعجزات، وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣)، أي وتركنا عليهم من بعد موسى التوراة هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) أي لأجل الهداية من الضلالة، ولأجل التذكرة لذوي العقول السليمة، فكتب أنبياء الله مشتملة على هذين القسمين، بعضها دلائل في أنفسها، وبعضها مذكرات لما ورد في الكتب الإلهية المتقدمة، فَاصْبِرْ يا أكرم الرسل على أذى اليهود والنصارى والمشركين، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، فالله ناصرك ومنجز وعده في حقك، وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ أي تب من ترك الأولى، والأفضل في بعض الأحايين، فإنه