تعالى كافيك في نصرة دينك، وإظهاره على الدين كله، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥)، أي ودم على التسبيح ملتبسا بحمده تعالى. والمراد منه الأمر بالمواظبة على ذكر الله باللسان، وبأن لا يغفل القلب عنه، إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ، وجملة «إن في صدورهم» إلخ خبر ل «إن»، وجملة «ما هم» إلخ صفة ل «كبر»، أي إن الذين يجحدون بآيات الله بغير برهان أتاهم في ذلك من الله تعالى ما في قلوبهم إلا تكبر عن الحق ما هم ببالغي كبره، أي الذين يناصبون الجدال معك بغير حجة إنما يحملهم على هذا الجدال الباطل كبر في صدورهم، وذلك الكبر هو أنهم لو سلموا بنبوّتك لزمهم أن يكونوا تحت تصرفك، لأن النبوة تحتها كل رئاسة وملك، وهم لا يرضون أن يكونوا في خدمتك وإنما هم يريدون أن تكون تحت يدهم ولا يصلون إلى هذا المراد، بل لا بد وأن يصيروا تحت أمرك ونهيك، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أي فالتجئ إليه تعالى من كيد من يجادلك، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لأقوالهم الْبَصِيرُ (٥٦) بأعمالهم، لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، أي فالذي قدر على ابتداء خلق السموات والأرض مع عظمها، قادر على إعادة الإنسان الذي خلقه أولا، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) أي أن هذا البرهان مع قوته صار بحيث لا يعرفه من ينكرون الحشر والنشر، فظهر أن هؤلاء يجادلون في آيات الله بغير حجة، بل بمجرد الحسد والكبر، وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أي لا يستوي الجاهل المقلد المستدل، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ أي ولا يستوي الآتي بالأعمال الصالحة، والآتي بالأعمال الفاسدة. قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) أي أن المجادلين وإن كانوا يعلمون أن العلم خير من الجهل، وأن العمل الصالح خير من العمل الفاسد إلا أنهم ما يتعظون اتعاظا قليلا من أمثال القرآن، فإن الحسد يعمي قلوبهم فيعتقدون في الجهل والتقليد أنه محض المعرفة، وفي الحسد والكبر أنه محض الطاعة.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «تتذكرون» على الخطاب. والباقون بالغيبة. إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها أي لا شك في مجيئها بإجماع الرسل على الوعد بوقوعها. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ وهم الذين ينكرون البعث، لا يُؤْمِنُونَ (٥٩) بمجيء الساعة، وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ أي اعبدوني أثبكم وأغفر لكم، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠) أي أذلاء.
ويقال: إن الدعاء هو السؤال، أي ادعوني أقبل إليكم، فالدعاء اعتراف بالعبودية والذلة فكأنه قيل: إن تارك الدعاء إنما تركه لأجل أن يستكبر عن إظهار العبودية، وكل من دعا الله وفي قلبه ذرة من الاعتماد على ماله وجاهه، واجتهاده وأقاربه وأصدقائه، فهو في الحقيقة ما دعا الله إلا باللسان، أما قلبه فهو معول في تحصيل ذلك المطلوب على غير الله، فهذا ما دعا الله في


الصفحة التالية
Icon