وقرئ «أو يسلموا» بالنصب بإضمار «أن» على معنى تقاتلونهم إلى أن يسلموا. فَإِنْ تُطِيعُوا أي توافقوا الداعي على القتال يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً أي يعطكم الله الغنيمة في الدنيا والجنة في الآخرة، وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ أي وإن تعرضوا عن إجابة الدعوة إلى قتال المرتدين كمسيلمة أو المشركين كهوازن كما أعرضتم عن غزوة الحديبية من قبل هذا الوقت بناء على الظن الفاسد يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦) لتضاعف جرمكم، ثم جاء أهل الزمانة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله قد أوعد الله بعذاب أليم لمن يتخلف عن الغزو، فكيف لنا ونحن لا نقدر على الخروج إلى الغزو؟! فأنزل الله فيهم قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ أي ليس على من في عضوه أو قوته خلّل مأثم في التخلف عن الغزو، وكذا فقير لا يمكن من استصحاب ما يحتاج إليه من مصالح الجهاد، وإنما قدّم الأعمى على الأعرج، لأن عذره مستمر لا يمكن الانتفاع به في حراسة وغيرها ولا يعود بصيرا أما الأعرج فإنه يمكن الانتفاع به في الحراسة ونحوها وقد يقدر على القتال بالرمي وغيره، وقدّم الأعرج على المريض لأن عذره أشد من المريض لإمكان زوال المرض عن قرب، فالعذر في محل الآلة أتم من الآفة في القوة. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ في الأوامر والنواهي من المعذورين وغيرهم يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فطاعة الله تعالى في طاعة رسوله وكلامه تعالى يسمع من رسوله، وَمَنْ يَتَوَلَّ عن الطاعة بقلبه يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧). وقرأ نافع وابن عامر «ندخله»، و «نعذبه» بالنون فيهما. والباقون بالياء التحتية، لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.
روي أنه صلّى الله عليه وسلّم لما نزل الحديبية بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى أهل مكة، وحمله على جمله صلّى الله عليه وسلّم ليبلغ أشرافهم أنه صلّى الله عليه وسلّم جاء معتمرا ولم يجيء محاربا، فعقروا جمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأرادوا قتله. فمنعهم الأحابيش، فخلوا سبيله، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عثمان بن عفان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يأت لحرب، وإنما جاء زائر لهذا البيت معظما لحرمته، فوقروه وقالوا: إن شئت أن تطوف بالبيت فافعل فقال: ما كنت لأطوف قبل أن يطوف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واحتسبته قريش عندها، فبلغ رسول الله والمسلمين أن عثمان قد قتل فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا نبرح حتى نناجز القوم». أي نقاتلهم، ودعا الناس إلى البيعة فبايعوه تحت الشجرة على أن يقاتلوا قريشا، ولا يفروا، ووضع النبي صلّى الله عليه وسلّم شماله في يمينه فقال: «هذه بيعة عثمان» وقد علم بنور النبوة أن عثمان لم يقتل حتى بايع عنه فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أنتم اليوم خير أهل الأرض»
«١» وكانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين، ولما سمع المشركون بهذه البيعة خافوا،
الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١٥٣، وابن الجارود في المنتقى ٥٠٥، -