وبعثوا بعثمان وجماعة من المسلمين، وكانوا عشرة دخلوا مكة بإذنه صلّى الله عليه وسلّم فَعَلِمَ. الله ما فِي قُلُوبِهِمْ من الإخلاص عند مبايعتهم له صلّى الله عليه وسلّم كما علم ما في قلوب المنافقين من المرض. وهذا معطوف على يبايعونك، لأن رضاه تعالى عنهم كان عند المبايعة التي كان معها علم الله بصدقهم لا عند المبايعة فقط، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وهذا معطوف على «رضي» أي فأنزل عليهم سكون النفس بالربط على قلوبهم، وقد جعل الله تعالى طاعة الله والرسول علامة لإدخال الله تعالى الجنة، وبيّن أن تلك الطاعة وجدت من أهل بيعة الرضوان، وأشار إلى طاعة الله بقوله لقد رضي الله عن المؤمنين وإلى طاعة الرسول بقوله: إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وأشار إلى الموعود به- وهو إدخال الجنة- بقوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ لأن الرضا يكون معه إدخال الجنة، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) أي وجزاهم على الطاعة فتح خيبر عقب انصرافهم من الحديبية في ذي الحجة، فأقام صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة بقيته، وبعض المحرم، ثم خرج إلى خيبر في بقية المحرم سنة سبع.
وقال السدي: هو فتح مكة. وقرئ و «آتاهم» بالمد، أي أعطاهم. وَمَغانِمَ كَثِيرَةً من خيبر- وهي أرض ذات عقار وأموال- يَأْخُذُونَها.
وقرأ الأعمش وطلحة ونافع بالتاء على طريق الالتفات إلى الخطاب لتشريفهم في مقام الامتنان. وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً أي غالبا غنيا عن إعانتكم إياه حَكِيماً (١٩) حيث جعل هلاك أعدائه على أيديكم ليثيبكم عليه، فإنه تعالى يذل من يشاء بعزته، ويعز من يشاء بحكمته وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً من بلدان شتى لا تدخل تحت حصر فيما يأتي إلى يوم القيامة، تَأْخُذُونَها والخطاب لأهل الحديبية، فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ أي غنائم خيبر فليست كل الثواب بل الجزاء قدامكم، وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ أي كف الله أيدي بني أسد وغطفان، وهم حلفاء أهل خيبر عنكم حيث جاءوا لنصرتهم، فقذف الله في قلوبهم الرعب فنكصوا عن عيالكم لما خرجتم إلى خيبر، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قصد خيبر وحاصر أهلها، همت قبائل من بني أسد وغطفان أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة، فكف الله تعالى أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم، فنكصوا.
وقال قتادة: كف أيدي يهود خيبر عن المدينة بعد خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الحديبية، أما كف أيدي أهل مكة بالحديبية فمذكور بقوله تعالى وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ إلخ. وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وهذا معطوف على مفهوم «فعجل لكم هذه» ف «اللام» يدل على النفع كما أن «على» يدل على الضر، أي فجعل الله هذه الغنائم وفتح خيبر لتنفعكم، ولتكون أمارة يعرف المؤمنون بها صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم في وعده إياهم عند رجوعه من الحديبية ما ذكر من المغانم،