كَذَّبُونِ
(٣٩) أي انتقم لي منهم بسبب تكذيبهم إياي. قالَ تعالى عدة بالقبول عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) أي بعد زمان قليل ليصيرن نادمين على التكذيب، وذلك عند معاينتهم للعذاب
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ أي دمرهم الله تعالى بالصيحة العظيمة وبالريح العقيم، بالعدل من الله تعالى وقد روي أن شداد بن عاد حين أتم بناء إرم سار بأهله إليها، فلما دنا منها بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً أي فجعلناهم بعد موتهم مثل ورق يابس يحمله السيل في عدم المبالاة بهم. فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١) «فبعدا» مصدر منصوب بفعل لا يستعمل إظهاره لأنه بمعنى الدعاء عليهم، و «للقوم» متعلق بمحذوف واللام للبيان. فالله تعالى ذكر ذلك على وجه الإهانة لهم وهو التبعيد من الخير. وقد نزل بهم العذاب دالا على ذلك مع أن الذي ينزل بهم في الآخرة من العذاب أعظم مما نزل بهم ليكون ذلك عبرة لمن يجيء بعدهم.
والمعنى أهلكوا وخابوا من رحمة الله تعالى دنيا وأخرى. ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ أي بعد هلاكهم قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) هم قوم صالح، ولوط، وشعيب، ويونس، وأيوب. فالله تعالى ما أخلى الأرض من مكلفين بل أوجدهم وبلغهم حد التكليف حتى قاموا مقام من كان قبلهم في عمارة الدنيا. ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) فلا نهلك أمة قبل مجيء أجلها، ولا يستأخرون عنه بساعة. فالله تعالى عالم الأشياء قبل كونها، فلا توجد إلا على وفق العلم والمقتول ميت بأجله، إذ لو قتل قبل أجله لكان قد تقدم الأجل أو تأخر وذلك ينافيه هذا النص. ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا أي أرسلنا إلى كل قرن من القرون رسولا خاصا به تَتْرا أي واحدا بعد واحد بينهما زمان طويل.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو هريرة وهي قراءة الشافعي «تترى» بالتنوين، فألفه للإلحاق بجعفر، ف «لما» نون ذهبت ألفه لالتقاء الساكنين وباقي السبعة «تترى» بألف صريحة دون تنوين، والألف للتأنيث باعتبار أن الرسل جماعة، والتاء بدل من الواو، فإنه مأخوذ من الوتر وهو الفرد وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل وقع حالا أي متواترة أي متتابعة فرادى. كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ وسلكوا في تكذيب أنبيائهم مسلك من أهلكوا. فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً أي بالهلاك وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ أي ما يتحدث به الناس تلهيا وتعجبا، فيعتبر منهم أهل السعادة ويتغافل منهم أهل الشقاوة. فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) أي بعدوا من رحمة الله تعالى بعدا، إذ لم يؤمنوا ولم يعتبروا منهم. ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا التسع، وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) أي حجة واضحة ملزمة للخصم في الاستدلال على وجود الصانع وإثبات النبوة إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ أي أشراف قومه، فَاسْتَكْبَرُوا عن الانقياد لهما وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) في أمور الدنيا، قاهرين بني إسرائيل بالظلم فَقالُوا فيما بينهم بطريق المناصحة أَنُؤْمِنُ أي أننقاد
لِبَشَرَيْنِ
موسى وهارون مِثْلِنا في البشرية وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) أي والحال أن قومهما بني إسرائيل


الصفحة التالية
Icon