ثم أجاب بقوله: ﴿لِيَوْمِ الْفَصْلِ﴾ [أي:] بين الخلائق، بعضهم لبعض، وحساب كل منهم منفردا، ثم توعد المكذب بهذا اليوم فقال: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي: يا حسرتهم، وشدة عذابهم، وسوء منقلبهم، أخبرهم الله، وأقسم لهم، فلم يصدقوه، فاستحقوا (١) العقوبة البليغة. ﴿١٦ - ١٩﴾ ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الأوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾.
أي: أما أهلكنا المكذبين السابقين، ثم نتبعهم بإهلاك من كذب من الآخرين، وهذه سنته السابقة واللاحقة في كل مجرم لا بد من عذابه (٢)، فلم لا تعتبرون بما ترون وتسمعون؟
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ بعدما شاهدوا من الآيات البينات، والعقوبات والمثلات.

(١) في ب: فلذلك استحقوا.
(٢) في ب: عقابه.

﴿٢٠ -٢٤﴾ ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾.
أي: أما خلقناكم أيها الآدميون ﴿مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ أي: في غاية الحقارة، خرج من بين الصلب والترائب، حتى جعله الله ﴿فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾ وهو الرحم، به يستقر وينمو.
﴿إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ ووقت مقدر.
﴿فَقَدَرْنَا﴾ أي: قدرنا ودبرنا ذلك الجنين، في تلك الظلمات، ونقلناه من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة، إلى أن جعله الله جسدا، ثم نفخ فيه الروح، ومنهم من يموت قبل ذلك.
﴿فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾ [يعني بذلك نفسه المقدسة] حيث كان قدرا تابعا للحكمة، موافقا للحمد (١).
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ بعدما بين الله لهم الآيات، وأراهم العبر والبينات.
(١) في ب: لأن قدره تابع لحكمته موافق للحمد.

﴿٢٥ - ٢٨﴾ ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾.
أي: أما امتننا (١) عليكم وأنعمنا، بتسخير الأرض لمصالحكم، فجعلناها ﴿كِفَاتًا﴾ لكم.
﴿أَحْيَاءً﴾ في الدور، ﴿وَأَمْوَاتًا﴾ في القبور، فكما أن الدور والقصور من نعم الله على عباده ومنته، فكذلك القبور، رحمة في حقهم، وسترا لهم، عن كون أجسادهم بادية للسباع وغيرها.
﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ أي: جبالا ترسي الأرض، لئلا تميد بأهلها، فثبتها الله بالجبال الراسيات الشامخات أي: الطوال العراض، ﴿وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا﴾ أي: عذبا زلالا قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ مع ما أراهم الله من النعم التي انفرد الله بها، واختصهم بها، فقابلوها بالتكذيب.
(١) في ب: أمامننا.

﴿٢٩ - ٣٤﴾ ﴿انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾.
هذا من الويل الذي أعد [للمجرمين] للمكذبين، أن يقال لهم يوم القيامة: ﴿انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ ثم فسر ذلك بقوله: ﴿انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ﴾ أي: إلى ظل نار جهنم، التي تتمايز في -[٩٠٥]- خلاله ثلاث شعب أي: قطع من النار أي: تتعاوره وتتناوبه وتجتمع به.
﴿لا ظَلِيلٍ﴾ ذلك الظل أي: لا راحة فيه ولا طمأنينة، ﴿وَلا يُغْنِي﴾ من مكث فيه ﴿مِنَ اللَّهَبِ﴾ بل اللهب قد أحاط به، يمنة ويسرة ومن كل جانب، كما قال تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾
﴿لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين﴾
ثم ذكر عظم شرر النار، الدال على عظمها وفظاعتها وسوء منظرها، فقال:
﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ وهي السود التي تضرب إلى لون فيه صفرة، وهذا يدل على أن النار مظلمة، لهبها وجمرها وشررها، وأنها سوداء، كريهة المرأى (١)، شديدة الحرارة، نسأل الله العافية منها [من الأعمال المقربة منها].
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾
(١) في ب: كريهة المنظر.


الصفحة التالية
Icon