ووراءها ألاعيب سياسية، أو أغراض شخصية غير سلمية، وإن كان المستفتي من الأمراء أو ممن يخشى بأسه، فهو يقول في حوادث سنة ٧٦٢: "وجاءتني فتيا صورتها: ما تقول السادة العلماء في ملك اشترى غلامًا، فأحسن إليه وأعطاه وقدّمه، ثم إنه وثب على سيده فقتله وأخذ ماله ومنع ورثته منه؟ وتصرَّفَ في المملكة، وأرسل إلى بعض نواب البلاد ليقدم عليه ليقتله: فهل له الامتناع منه، وهل إذا قاتل دون نفسه وماله حتى يقتل يكون شهيدًا؟ وهل يثاب الساعي في خلاص حق ورثة الملك المقتول من القصاص والمال؟ أفتونا مأجورين؟ ".
فهذا استفتاء صِيغَ في صورةٍ توحي بالجواب، وباطنُه أن ذاك الأمير السائل يريد أن يمتنع على الملك الذي دعاه للحضور عنده، ويريد أن يثير فتنةً وقتالًا على صاحب الأمر، لعله يصل إلى ما وصل إليه ذاك من الملك، كعادة الأمراء من المماليك في ذلك العهد، ولكنَّ ابن كثير يجيبه جوابًا حكيمًا يكشف عن بعض مقصده، ويضمن جوابه النصيحة الواجبة في مثل هذه الحال، فيقول: "فقلت للذي جاءني بها من جهة الأمير: إن كان مراده خلاص ذمته فيما بينه وبين الله تعالى، فهو أعلم بنيته في الذي يقصده! ولا يسعى في تحصيل حقٍّ معين، إذا تَرتَّب على ذلك مفسدة راجحة في ذلك، فيؤخر الطلب إلى وقت إمكانه بطريقه! وإن كان مراده بهذا الاستفتاء أن يتقوى بها في جمع الدولة، والأمراء عليه، فلا بُدَّ أن يكتب عليها كبار القضاة والمشايخ أولًا، ثم بعد ذلك بقية المفتين بطريقه".
"التاريخ ١٤: ٢٨١: ٢٨٢".
وكان الإفرنج قد غدروا بمدينة الإسكندرية، وأشاعوا فيها الرعب، وارتكبوا الفظائع غدرًا، وذلك أنهم وصلوا إليها من البحر يوم الأربعاء ٢٢ محرم سنة ٧٦٧، فلم يجدوا بها نائبًا ولا جيشًا، ولا حافظًا للبحر


الصفحة التالية
Icon