ولا ناصرًا، فدخلوها يوم الجمعة بكرة النهار، بعدما حرقوا أبوابًا كثيرة منها، وعاثوا في أهلها فسادًا؛ يقتلون الرجال، ويأخذون الأموال، ويأسرون النساء والأطفال، فالحكم لله العلي الكبير المتعال، وأقاموا يوم الجمعة والسبت والأحد والإثنين والثلاثاء، فلما كان صبيحة الأربعاء قَدِمَ الشاليش المصري١، فأقلعت الفرنج -لعنهم الله- عنها، وقد أسروا خلقًا كثيرًا يقاربون الأربعة آلاف، وأخذوا من الأموال ذهبًا وحريرًا وبهارًا وغير ذلك، ما لا يُحدُّ ولا يوصف، وقَدِمَ السلطان والأمير الكبير يلبغا ظهر يومئذ، وقد تفارط الحال، وتحولت الغنائم كلها إلى الشوائن بالبحر، فسمع للأسارى من العويل والبكار والشكوى والجأر إلى الله، والاستغاثة به وبالمسلمين، ما قطَّع الأكباد، وذرفت له العيون، وأصمَّ الأسماع.
فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولما بلغت الأخبار إلى أهل دمشق شق عليهم ذلك جدًّا، وذكر ذلك الخطيب يوم الجمعة على المنبر، فتباكى الناس كثيرًا. فإنا لله وإنا إليه راجعون".
فهذه وقعة شنيعة غادرة من الإفرنج -كعادتهم، والنفوس تتقزز من مثلها، وتثور من أجلها، والملوك والأمراء الظالمون ينتهزون فرصة تعبئة الرأي العام الإسلامي، وتورثه من أجل هذا الغدر، وغضبًا لهذه الفظائع؛ ليأكلوا أموال الناس بالباطل، وظاهر أمرهم الانتقام، وباطنه السلب والنهب.

١ في النجوم الزاهرة "١١: ٢٩ طبعة دار الكتب المصرية": "فلما وصل السلطان إلى الطرانة أرسل جاليشًا من الأمراء أمامه في خفية... ". وكتب مصححه الأستاذ محمد البرهامي منصور، بهامشه: "الجاليش: مقدمة الجيش، والراية العظيمة في رأسها خصلة من الشعر"، وهي كلمة أعجمية -لعلها تركية أو فارسية، وفي مثلها الجيم شديدة التعطيش -بين الجيم والشين- فيجوز تعريبها جيمًا أو شينًا، مثل "شاويش" و"جاويش".


الصفحة التالية
Icon