٨٥، الصافات: ١٥٥، الجاثية: ٢٣] فكان المناسب هناك تقديم السمع، وأعاد جل شأنه الجار لتكون أدل على شدة الختم في الموضعين فإن ما يوضع في خزانة إذا ختمت خزانته وختمت داره كان أقوى في المنع عنه وأظهر في الاستقلال لأن إعادة الجار تقتضي ملاحظة معنى الفعل المعدى به حتى كأنه ذكر مرتين، ولذا قالوا في مررت بزيد وعمرو: مرور واحد، وفي مررت بزيد وبعمرو: مروران، والعطف وإن كان في قوة الإعادة لكنه ليس ظاهرا مثلها في الإفادة لما فيه من الاحتمال. ووحد السمع مع أنه متعدد في الواقع ومقتضى الانتظام بالسباق واللحاق أن يجري على نمطهما للاختصار والتفنن مع الإشارة إلى نكتة- هي أن مدركاته نوع واحد ومدركاتهما مختلفة- وكثيرا ما يعتبر البلغاء مثل ذلك، وقيل: إن وحدة اللفظ تدل على وحدة مسماه- وهو الحاسة- ووحدتها تدل على قلة مدركاتها في بادىء النظر فهناك دلالة التزام ويكفي مثل ما ذكر في اللزوم عرفا (١) ومنه يتنبه لوجه جمع القلوب كثرة والأبصار قلة وإن كان ذلك هو المعروف في استعمال الفقهاء في جميعها على أن الأسماع قلما قرع السمع- ومنه قراءة ابن أبي عبلة في الشواذ- وعلى أسماعهم، واستشهد له بقوله:
قالت ولم تقصد لقيل الخنا | مهلا لقد أبلغت أسماعي |
كلوا في بعض بطنكم تعفوا | فإن زمانكم زمن خميص |
ولعل سبب تقديم السمع على البصر مشاركته للقلب في التصرف في الجهات الست مثله دون البصر. ومن هنا قيل: إنه أفضل منه، والحق أن كلّا من الحواس ضروري في موضعه، ومن فقد حسا فقد علما، وتفضيل البعض على البعض تطويل من غير طائل (٢) وقد قرىء بإمالة: «أبصارهم» ووجه الإمالة- مع أن الصاد حرف مستعل وهو مناف لها لاقتضائها لتسفل الصوت- مناسبة الكسرة واعتبرت على الراء دون غيرها لمناسبة الإمالة الترقيق، والمشهور عند أهل العربية أن ذلك لقوة الراء لتكرره على اللسان في النطق به فإنه يرتعد ويظهر ذلك إذا شدد أو وقف عليه فكسرته بمنزلة
(٢) ويحكى عن أبي يوسف عليه الرحمة أنه سئل عن- اللوزينج والفيلوذج- أيهما أحسن؟ فقال: لا أحكم من دون حضور الخصمين فأتي بهما وأكل منهما ثم قال: كلما أردت أن أحكم لأحدهما على الآخر أتى الآخر بشاهدين عدلين فيمنعني من الحكم اهـ منه.