الخارج بذلك الوجود الحادث فيما لا يزال فهذا الاقتضاء صفة قديمة للذات هو بها في الأزل مسماة بالكلام النفسي وأثره الذي هو ظهور المعنى القديم باللفظ الحادث إنما يكون فيما لا يزال والمغايرة بينه وبين صفة العلم ظاهرة وهذا هو غاية الغايات في هذا الباب، والحمد لله على ما خصني بفهمه من بين أرباب الألباب انتهى.
وفيه أنه غاية الغايات في الجسارة على رب الأرباب وإحداث صفة قديمة ما أنزل الله تعالى بها من كتاب إذ لم يرد في كتاب الله تعالى ولا في سنة نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم ولا روي عن صحابي ولا تابعي تسمية ذلك الاقتضاء كلاما بل لا يقتضيه عقل ولا نقل على أنه لا يحتاج إليه عند من أخذت الغاية بيديه، هذا وإذا سمعت ما تلوناه، ووعيت ما حققناه فاسمع الآن تحقيق الحق في كيفية سماع موسى عليه السلام كلام الحق «فأقول» الذي انتهى إليه كلام أئمة الدين كالماتريدي والأشعري وغيرهما من المحققين أن موسى عليه السلام سمع كلام الله تعالى بحرف وصوت كما تدل عليه النصوص التي بلغت في الكثرة مبلغا لا ينبغي معه تأويل، ولا يناسب في مقابلته قال وقيل، فقد قال تعالى: وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ [مريم: ٥٢]، وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى [الشعراء: ١٠]، نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ [القصص: ٣٠] إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً [النازعات: ١٦]، نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها [النمل: ٨] واللائق بمقتضى اللغة والأحاديث أن يفسر النداء بالصوت (١) بل قد ورد إثبات الصوت لله تعالى شأنه في أحاديث لا تحصى، وأخبار لا تستقصى.
«روى» البخاري في الصحيح «يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان»
ومن علم أن لله تعالى الحكيم أن يتجلى بما شاء وكيف شاء وأنه منزه في تجليه قريب في تعاليه لا تقيده المظاهر عند أرباب الأذواق إذ له الإطلاق الحقيقي حتى عن قيد الإطلاق زالت عنه إشكالات واتضحت لديه متشابهات (٢). ومما يدل على ثبوت التجلي في المظهر لله تعالى قول ابن عباس ترجمان القرآن في قوله تعالى: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ كما في الدر المنثور يعني تبارك وتعالى نفسه كان نور رب العالمين في الشجرة، وفي رواية عنه كان الله في النور ونودي من النور، وفي صحيح مسلم حجابه النور، وفي رواية له حجابه النار ودفع الله سبحانه توهم التقييد بما ينافي التنزيه بقوله: وَسُبْحانَ اللَّهِ أي عن التقييد بالصورة والمكان والجهة وإن ناداك منها لكونه موصوفا بصفة رب العالمين فلا يكون ظهوره مقيدا له بل هو المنزه عن التقييد حين الظهور يا مُوسى إِنَّهُ أي المنادي المتجلي أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ فلا أتقيد لعزتي ولكني الْحَكِيمُ [النمل: ٩] فاقتضت حكمتي الظهور والتجلي في صورة مطلوبك فالمسموع على هذا صوت وحرف سمعهما موسى عليه السلام من الله تعالى المتجلي بنوره في مظهر النار لما اقتضته الحكمة فهو عليه السلام كليم الله تعالى بلا واسطة لكن من وراء حجاب مظهر النار وهو عين تجلي الحق تعالى له، وأما ما شاع عن الأشعري من القول بسماع الكلام النفسي القائم بذات الله تعالى فهو من باب التجويز والإمكان لا أن موسى عليه السلام سمع ذلك بالفعل إذ هو خلاف البرهان، ومما يدل على جواز سماع الكلام النفسي بطريق خرق العادة قوله تعالى في الحديث القدسي
«ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به» الحديث،
ومن الواضح أن الله تبارك وتعالى إذا كان بتجليه النوري المتعلق بالحروف غيبية

(١) قال في القاموس: النداء بالكسر والضم الصوت اهـ منه
(٢) مثل قوله تعالى: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ
وحديث «إذا كان يوم الجمعة نزل ربنا تبارك وتعالى من عليين على كرسيه
- إلى أن قال-
ثم يصعد تبارك وتعالى على كرسيه،
وحديث «فإذا الرب قد أشرف عليها من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة»

إلى غير ذلك اهـ منه.


الصفحة التالية
Icon