بالبعث للجزاء، والظن قيل: إما على ظاهره أو عبر عن اعتقادهم به تحقيرا لهم وتمهيلا، وقرأ حمزة والكسائي ونافع لا يُرْجَعُونَ بفتح الياء وكسر الجيم.
فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ أي ألقيناهم وأغرقناهم فيه، وقد مر تفصيل ذلك، وفي التعبير بالنبذ وهو إلقاء الشيء الحقير وطرحه لقلة الاعتداد به ولذلك قال الشاعر:

نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلا من نعالك باليا
استحقار لهم، وفي الكلام على ما قيل استعارة مكنية وتخييلية وذلك أنهم شبهوا في الحقارة بنعال بالية واستعير لهم اسم النعال ثم حذف المستعار وبقي المستعار له وجعل النبذ قرينة على أنه حقيقة والمجاز في التعلق على نحو ما قيل في أظفار المنية نشبت بفلان، وقال بعضهم: الأخذ وهو حقيقة في التناول مجاز عن خلق الداعية لهم إلى السير إلى البحر، والنبذ مجاز عن خلق الداعية لهم إلى دخوله، وفي البحر أنه كناية عن إدخالهم فيه والأولى أن يكون الكلام من باب التمثيل كأنه عز وجل فيما فعل بهم أخذهم مع كثرتهم في كف وطرحهم في اليم، والظاهر أن الفاء الأولى سببية وليست لمجرد التعقيب وأما الثانية فللتعقيب إذا أبقى الأخذ على معنى التناول أو أريد به خلق الداعية إلى السير أو نحوه أما إذا أريد به الإهلاك فهي للتفسير كما في فاستجبنا له فنجيناه ونحوه فَانْظُرْ يا محمد كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وبينها للناس ليعتبروا بها وَجَعَلْناهُمْ أي خلقناهم أَئِمَّةً قدوة للضلال بسبب حملهم لهم على الضلال كما يؤذن بذلك قوله تعالى: يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ أي إلى موجباتها من الكفر والمعاصي على أن النار مجاز عن ذلك أو على تقدير مضاف والمراد جعلهم ضالين مضلين والجعل هنا مثله في قوله تعالى:
جَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الأنعام: ١] والآية ظاهرة في مذهب أهل السنة من أن الخير والشر مخلوقان لله عز وجل وأولها المعتزلة تارة بأن الجعل فيها بمعنى التسمية مثله في قوله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً [الزخرف: ١٩] أي وسميناهم فيما بين الأمم بعدهم دعاة إلى النار، وتارة بأن جعلهم كذلك بمعنى خذلانهم ومنعهم من اللطف والتوفيق للهداية والأول محكي عن الجبائي والثاني عن الكعبي، وعن أبي مسلم أن المراد صيرناهم بتعجيل العذاب لهم أئمة أي متقدمين لمن وراءهم من الكفرة إلى النار وهذا في غاية التعسف كما لا يخفى وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا التي فتنتهم لَعْنَةً طردا وإبعادا أو لعنا من اللاعنين حيث لا تزال الملائكة عليهم السلام تلعنهم وكذا المؤمنون خلفا عن سلف وذلك إما بدخولهم في عموم من يلعنونهم من الظالمين وإما بالتنصيص عليهم نحو لعن الله تعالى فرعون وجنوده وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ من المطرودين المبعدين يقال: قبحه الله تعالى بالتخفيف أي نحاه وأبعده عن كل خير كما قال الليث، ولا يتكرر مع اللعنة المذكورة قيل: لأن معناها الطرد أيضا لأن ذلك في الدنيا وهذا في الآخرة أو ذاك طرد عن رحمته التي في الدنيا وهذا طرد عن الجنة أو على هذا يراد باللعنة فيما تقدم ما تأخر مع أن من المطرودين معناه أنهم من الزمرة المعروفين بذلك وهو أبلغ وأخص، وقال أبو عبيدة والأخفش من المقبوحين أي من المهلكين، وعن ابن عباس أي من المشوهين في الخلقة بسواد الوجوه وزرقة العيون وهذا المعنى هو المتبادر إلا أن فيه أن فعل قبح عليه لازم فبناء اسم المفعول منه غير ظاهر، وقد يقال: إذا صح هذا التفسير عن ابن عباس التزم القول بأنه سمع أيضا، وجوز أن يكون ذلك تفسيرا بما هو لازم في الجملة، ويوم القيامة متعلق بالمقبوحين أو بمحذوف يفسره ذلك على ما علمت آنفا في نظيره، وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج، وعبد بن حميد عن قتادة ما هو ظاهر في أنه معطوف على هذه الدنيا وهو عطف على المحل والمروي عن ابن جريج أظهر في ذلك وكلاهما في الدر المنثور، والظاهر ما سمعته أولا.


الصفحة التالية
Icon