هؤلاء لَشِرْذِمَةٌ أي طائفة من الناس، وقيل: هي السفلة منهم، وقيل: بقية كل شيء خسيس، ومنه ثوب شرذام وشرذامة أي خلق مقطع، قال الراجز:

جاء الشتاء وقميصي أخلاق شراذم يضحك منه التواق
وقرىء «لشرذمة» بإضافة شر مقابل خير إلى ذمة، قال أبو حاتم: وهي قراءة من لا يؤخذ منه ولم يروها أحد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قَلِيلُونَ صفة شرذمة، وكان الظاهر قليلة إلا أنه جمع باعتبار أن الشرذمة مشتملة على أسباط كل سبط منهم قليل، وقد بالغ اللعين في قلتهم حيث ذكرهم أولا باسم دال على القلة وهو شرذمة ثم وصفهم بالقلة ثم جمع القليل للإشارة إلى قلة كل حزب منهم وأتى بجمع السلامة وقد ذكر أنه دال على القلة واستقلهم بالنسبة إلى جنوده.
فقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن موسى عليه السلام خرج في ستمائة ألف وعشرين ألفا لا يعد فيهم ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره وتبعهم فرعون على مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان، وقيل: أرسل فرعون في أثرهم ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور مع كل ملك ألف وخرج هو في جمع عظيم وكانت مقدمته سبعمائة ألف رجل كل رجل على حصان وعلى رأسه بيضة، وهم كانوا على ما روي عن ابن عباس ستمائة ألف وسبعين ألفا، وأنا أقول: إنهم كانوا أقل من عساكر فرعون ولا أجزم بعدد في كلا الجمعين، والأخبار في ذلك لا تكاد تصح وفيها مبالغات خارجة عن العادة. والمشهور عند اليهود أن بني إسرائيل كانوا حين خرجوا من مصر ستمائة ألف رجل خلا الأطفال وهو صريح ما في التوراة التي بأيديهم.
وجوز أن يراد بالقلة الذلة لا قلة العدد بل هي مستفادة من شرذمة يعني أنهم لقلتهم أذلاء لا يبالى بهم ولا يتوقع غلبتهم، وقيل: الذلة مفهومة من شرذمة بناء على أن المراد منها بقية كل شيء خسيس أو السفلة من الناس، وقَلِيلُونَ إما صفة لها أو خبر بعد خبر لأن، والظاهر ما تقدم.
وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ لفاعلون ما يغيظنا من مخالفة أمرنا والخروج بغير إذننا مع ما عندهم من أموالنا المستعارة،
فقد روي أن الله تعالى أمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط فاستعاروه وخرجوا به
، وتقديم لَنا للحصر والفاصلة واللام للتقوية أو تنزيل المتعدي منزلة اللازم وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ أي إنا لجمع من عاداتنا الحذر والاحتراز واستعمال الحزم في الأمور، أشار أولا إلى عدم ما يمنع اتباعهم من شوكتهم ثم إلى تحقيق ما يدعو إليه من فرط عداوتهم ووجوب التيقظ في شأنهم حثا عليه أو اعتذارا بذلك إلى أهل المدائن كيلا يظن به عليه اللعنة ما يكسر سلطانه.
وقرأ جمع من السبعة. وغيرهم «حذرون» بغير ألف، وفرق بين حاذر بالألف وحذر بدونها بأن الأول اسم فاعل يفيد التجدد والحدوث والثاني صفة مشبهة تفيد الثبات، وقريب منه ما روي عن الفراء والكسائي أن الحذر من كان الحذر في خلقته فهو متيقظ منتبه، وقال أبو عبيدة: هما بمعنى واحد، وذهب سيبويه إلى أن حذرا يكون للمبالغة وأنه يعمل كما يعمل حاذر فينصب المفعول به، وأنشد:
حذر أمورا لا تضير وآمن ما ليس منجيه من الأقدار
وقد نوزع في ذلك بما هو مذكور في كتب النحو. وعن ابن عباس وابن جبير والضحاك وغيرهم أن الحاذر التام السلاح. وفسروا ما في الآية بذلك، وكأنه بمعنى صاحب حذر وهي آلة الحرب سميت بذلك مجازا، وحمل على ذلك


الصفحة التالية
Icon