عباس أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر وأوحى إلى البحر أن اسمع لموسى وأطع إذا ضربك فبات البحر له أفكل أي رعدة لا يدري من أي جوانبه يضربه،
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله ابن سلام أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر قال: يا من كان قبل كل شيء والمكون لكل شيء والكائن بعد كل شيء اجعل لنا مخرجا فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك البحر.
وروي أنه عليه السلام قال: اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وإليك المستغاث وأنت المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
، وفي الدر المنثور من رواية ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعا ما يدل على أنه عليه السلام قال ذلك حين الانفلاق فَانْفَلَقَ أي فضربه فانفلق فالفاء فصيحة، وزعم ابن عصفور في مثل هذا التركيب أن المحذوف هو ضرب، وفاء انفلق والفاء الموجودة هي فاء ضرب وهذا أشبه شيء بلغي العصافير وكأنه كان سكران حين قاله، وفي هذا الحذف إشارة إلى سرعة امتثاله عليه السلام، وإنما أمر عليه السلام بالضرب فضرب وترتب الانفلاق عليه إعظاما لموسى عليه السلام بجعل هذه الآية العظيمة مترتبة على فعله ولو شاء عز وجل لفلقه بدون ضربه بالعصا،
ويروى أنه لم ينفلق حتى كناه بأبي خالد فقال انفلق أبا خالد: وكان بأمر الله تعالى إياه بذلك
وعن قيس بن عباد أنه عليه السلام حين جاءه قال له: انفلق أبا خالد فقال: لن أنفلق لك يا موسى أنا أقدم منك وأشد خلقا فنودي عند ذلك اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق
وفي رواية عن ابن مسعود أنه عليه السلام حين انتهى إليه قال: أنفرق فقال له: لقد استكبرت يا موسى وهل انفرقت لأحد من ولد آدم فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق، وفي حديث أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق عن أبي الدرداء مرفوعا أنه عليه السلام ضربه فتأطط كما يتأطط العرش ثم ضربه الثانية فمثل ذلك ثم ضربه الثالثة فانصدع
وهذا صريح في أن الضرب كان ثلاثا، وقيل: ضربه مرة واحدة فانفلق، وقيل: ضربه اثنتي عشرة مرة فانفلق في كل مرة عن مسلك لسبط.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جبير أنه قال: كان البحر ساكنا لا يتحرك فلما كان ليلة ضربه موسى بالعصا صار يمد ويجزر
ولا أظن لهذا صحة، والظاهر أن المد والجزر كانا قبل أن يخلق الله تعالى موسى عليه السلام ولا ينبغي لعاقل اعتقاد غيره، ومثل هذا عندي كثير من الأخبار السابقة، والأسلم الاقتصار على ما قص الله تعالى من أنه أوحى سبحانه إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ أي كالجبل المنيف الثابت في مقره، وظاهر الآية أن الطود مطلق الجبل، وقال في الصحاح: الطود الجبل العظيم.
والمراد بالفرق قطعة من الماء ارتفعت فصار ما تحتها كالسرداب على ما ذكره بعض الأجلة، وحينئذ لا إشكال في قول من قال: إن الفروق اثنا عشرة والمسالك كذلك بعدة أسباط بني إسرائيل وقد سلك كل سبط منهم في مسلك منها، والمشهور أن الفرق قطعة انفصلت من الماء عما يقابلها وحينئذ لا يتأتى ذلك القول بل لا بد عليه على ما قيل من كون الفروق ثلاثة عشر حتى يحصل في خلالها اثنا عشر مسلكا بعدد الأسباط، وقيل: إذا كانت الفروق اثني عشر فلا بد أن تكون المسالك ثلاثة عشر لأن الفرق الأول والثاني عشر لا بد أن يكونا منفصلين عما يحاذيهما من البحر فيكون بين كل منهما وبين ما يحاذيه من البحر مسلك وإن لم يكن كسائر المسالك بين فرقين إذ لو اتصلا لم يمييزا عنه ولم يتحقق حينئذ اثنا عشر فرقا بل أقل، ولا بعد في أن يختار كون الفروق اثني عشر والمسالك ثلاثة عشر يجعل الفرق الأول والثاني عشر منفصلين عما يحاذيهم من البحر بين كل منهما وبينه مسلك، ويقال: إن كل سبط من الأسباط الاثني عشر سلك في مسلك وسلك في الثالث عشر من آمن بموسى عليه السلام من القبط انتهى.


الصفحة التالية
Icon