وأورد عليه أنه لم يذكر في الآثار أن المسالك ثلاثة عشر وإنما المذكور فيها أنها اثنا عشر ومن ادعى ذلك فعليه البيان، والأبعد عن القيل والقال ما تقدم عن بعض الأجلة وأثر قدرة الله تعالى عليه أعظم، وخلق الداعية إلى سلوك ذلك في قلوب الداخلين لا سيما قوم فرعون أغرب وكذا الاحتياج إلى الكوى أظهر.
فقد روي أن بني إسرائيل قالوا: نخاف أن يغرق بعضنا ولا نشعر فجعل الله تعالى بينهم كوى حتى يرى بعضهم بعضا
، نعم قيل عليه: إن في بعض الآثار ما يأباه، فقد أخرج أبو العباس محمد بن إسحاق السراج في تاريخه. وابن عبد البر في التمهيد من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن صاحب الردم كتب إلى معاوية يسأله عن أشياء منها مكان طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ولا بعد فيه فلم يعلم معاوية جواب ذلك فكتب يسأل ابن عباس فأجاب عن كل إلى أن قال: وأما المكان الذي طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ولا بعد فيه فالمكان الذي انفلق من البحر لبني إسرائيل فإن كون الفرق مقببا كالسرداب مانع من طلوع الشمس وشروقها على الأرض من غير واسطة كما هو الظاهر من السؤال.
وأجيب بأنه بعد تسليم صحة الخبر لا إباء لجواز شروق الشمس على أرض الفرق المقبب من غير واسطة من جهة المدخل والمخرج أو شروقها على أرض البحر قبل التقبيب ولم يتعرض المفسرون هنا فيما وقفت عليه لكيفية الانطلاق، وقد رأيت فيما ينسب إلى كليات أبي البقاء أنه قد ورد أن بني إسرائيل لما دخلوا البحر خرجوا من الجانب الذي دخلوا منه وحينئذ لا يتأتى ذلك على كون الانفلاق خطيا وإنما يتأتى على كونه قوسيا ثم إنه ذكر في عدة الفروق والمسالك كلاما ظاهره الاختلال، وقد تصدى بعض الفضلاء لشرحه وتوجيهه بما لا يخلو عن تعسف، وحاصل ما ذكره ذلك البعض مع زيادة ما أنه يحتمل إذا كان انفلاق البحر إلى اثني عشر فرقا أن يكون الفرق الأول والثاني عشر متصلين بالبر الشطي بأن يكون الماء الواقع حذاء كل منهما من جهة البر مرتفعا ومنضما إلى كل ومعدود من أجزائه بحيث يصير الماء المرتفع المنضم والفرق الأصلي المنضم إليه فرقا واحدا متصلا طرفه بالبر من غير فصل بينه وبينه بشيء. وأورد عليه أنه يلزم عليه أن تكون المسالك أحد عشر فيحتاج إلى سلوك سبطين معا أو متعاقبا في مسلك واحد أوسع من سائر المسالك أو مساو له ولا خفاء في أنه خلاف الظاهر والمأثور، وأيضا يلزم أن يكون كل من الفرقين الأول والثاني عشر أعظم غلظا من كل من البواقي لما سمعت من الانضمام والظاهر تساويها فيه، وأيضا يلزم خروج الماء الملاصق للبر عما الأصل فيه من غير داع إليه، ويحتمل أن يكون الماء الواقع حذاء كل من الأول والثاني عشر من جهة البر مرتفعا بمعنى ذاهبا ويكون الفرقان المذكوران متصلين بالبر باعتبار أنهما متصلان بالمسلكين الظاهرين من تحت الماء الذاهب المتصلين بالبر. ويرد عليه بعض ما ورد على سابقه وبقاء سبط من بني إسرائيل أو سبطين بلا حاجب لهم عن فرعون وجنوده من الماء.
ويحتمل أن يكونا منفصلين عن البر بأن يبقى الماء المتصل به على حاله بحرا من غير ارتفاع وحينئذ يحتمل أن تكون المسالك ثلاثة عشر باعتبار انكشاف الأرض بين الفرق الأول والبحر الباقي على حاله المتصل بالبر فيكون هذا المسلك خارج الطود الأول وانكشافها بين الفرق الثاني عشر والبحر الباقي على حالة المتصل بالبر من الجانب الآخر فيكون هذا المسلك خارج الفرق الثاني عشر، وعلى هذا الاحتمال يلزم تعطل أحد المسالك أو التزام سلوك من آمن من القبط فقط فيه، ويحتمل أن تكون المسالك اثني عشر كالفروق بأن يكون الانكشاف بين الفرق الأول والبحر الباقي على حالة المتصل بالبر من جهة فرعون وجنوده فقط أو يكون الانكشاف بين الفرق الثاني عشر والبحر الباقي على حاله من الجانب الآخر فقط، وهذا بعيد لعظم هذا القوس المنكشف جدا وطول زمان قطعه، فالظاهر وقوع


الصفحة التالية
Icon