إلى معلومية أحواله مفصلة ومنها حال ما حملته الأنثى ووضعته فجعله من ذلك أبلغ معنى وأحسن لفظا من جعله من المفعول أعني المحمول والموضوع لأن المفعول محذوف متروك كما صرح به الزمخشري في حم السجدة، وجعله حالا من الحمل والوضع أنفسهما خلاف الظاهر وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ أي من أحد أي وما يمد في عمر أحد وسمي معمرا باعتبار الأول نحو إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً [يوسف: ٣٦] ومن قتل قتيلا على ما ذكر غير واحد وهذا لئلا يلزم تحصيل الحاصل، وجوز أن يقال لأن يُعَمَّرُ مضارع فيقتضي أن لا يكون معمرا بعد ولا ضرورة للحمل على الماضي وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ الضمير عائد على معمر آخر نظير ما قال ابن مالك في عندي درهم ونصفه أي نصف درهم اخر، ولا يضر في ذلك احتمال أن يكون المراد مثل نصفه لأنه مثال وهو استخدام أو شبيه به وإلى ذلك ذهب الفراء وبعض النحويين ولعله الأظهر، وفسروا المعمر بالمزاد عمره بدليل ما يقابله من قوله تعالى: وَلا يُنْقَصُ إلخ وهو الذي دعاهم إلى إرجاع الضمير إلى نظير المذكور دون عينه ضرورة أنه لا يكون المزيد في عمره منقوصا من عمره، وقيل عليه: هب أن مرجع الضمير معمر آخر أليس قد نسب النقص في العمر إلى معمر وقد قلتم إنه المزاد عمره. أجيب بأن الأصل وما يعمر من أحد فسمي معمرا باعتبار ما يؤول إليه وعاد الضمير باعتبار الأصل المحول عنه فمال ذلك ولا ينقص من عمر أحد أي ولا يجعل من ابتداء الأمر ناقصا فهو نظير قولهم ضيق فم الركية، وقال آخرون:
الضمير عائد على المعمر الأول بعينه والمعمر هو الذي جعل الله تعالى له عمرا طال أو قصر، ولا مانع أن يكون المعمر ومن ينقص من عمره شخصا واحدا والمراد بنقص عمره ما يمر منه وينقضي مثلا يكتب عمره مائة سنة ثم يكتب تحته مضى يوم مضى يومان وهكذا حتى يأتي إلخ وروي هذا عن ابن عباس وابن جبير وأبي مالك وحسان بن عطية والسدي، وقيل بمعناه:

حياتك أنفاس تعد فكلما مضى نفس منها انتقصت به جزءا
وقيل الزيادة والنقص في عمر واحد باعتبار أسباب مختلفة أثبتت في اللوح كما ورد في الخبر الصدقة تزيد في العمر فيجوز أن يكون أحد معمرا أي مزادا في عمره إذا عمل عملا وينقص من عمره إذا لم يعمله، وهذا لا يلزم منه تغيير التقدير لأنه في تقديره تعالى معلق أيضا وإن كان ما في علمه تعالى الأزلي وقضائه المبرم لا يعتريه محو على ما عرف عن السلف ولذا جاز الدعاء بطول العمر.
وقال كعب: لو أن عمر رضي الله تعالى عنه دعا الله تعالى أخر أجله، ويعلم من هذا أن قول ابن عطية: هذا قول ضعيف مردود يقتضي القول بالأجلين كما ذهبت إليه المعتزلة ليس بشيء، ومن العجيب قول ابن كمال: النظر الدقيق يحكم بصحة أن المعمر أي الذي قدر له عمر طويل يجوز أن يبلغ ذلك العمر وأن لا يبلغ فيزيد عمره على الأول وينقص على الثاني ومع ذلك لا يلزم التغيير في التقدير لأن المقدر في كل شخص هو الأنفاس المعدودة لا الأيام المحدودة والأعوام الممدودة ثم قال: فإنهم هذا السر العجيب وكتب في الهامش حتى ينكشف لك سر اختيار حبس النفس ويتضح وجه صحة
قوله عليه الصلاة والسلام: «إن الصدقة والصلة تعمران الديار وتزيدان في الأعمار»
اهـ.
وتعقبه الشهاب الخفاجي بأنه مما لا يعول عليه عاقل ولم يقل به أحد غير بعض جهلة الهنود مع أنه مخالف لما
ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم والنسائي وابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن عبد الله بن مسعود من قول النبي صلّى الله عليه وسلم لأم حبيبة وقد قالت: اللهم امتعني بزوجي النبي صلّى الله عليه وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية، سألت الله تعالى لآجال مضروبة وأيام معدودة الحديث
وأطال الجلبي في رده وهو غني عنه اهـ.
وقال بعضهم: يجوز أن لا يبلغ من قدر له عمر طويل ما قدر له بأن يغير ما قدر أولا بتقدير آخر ولا حجر على


الصفحة التالية
Icon