التقدير ولو البحر على ما قال أبو حيان لا يجوز إلّا في ضرورة شعر نحو قوله:

لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري (١)
وأجيب بأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع كما في نحو رب رجل وأخيه يقولان ذلك، وقال بعضهم: إنه يلزم على العطف السابق أن يلي لو الاسم الصريح وهو أيضا مخصوص بالضرورة وأجاب بما أجيب وفيه عندي تأمل، وجوز كون الرفع على الابتداء وجملة يَمُدُّهُ خبر المبتدأ والواو واو المعية وجملة المبتدأ وخبره في موضع المفعول معه بناء على أنه يكون جملة كما نقل عن ابن هشام ولا يخفى بعده، وجوز كون الواو على ذلك للاستئناف وهو استئناف بياني كأنه؟ قيل: ما المداد حينئذ فقيل: والبحر إلخ، وتعقب بأن اقتران الجواب بالواو وإن كانت استئنافية غير معهود، وما قيل إنه يقترن بها إذا كان جوابا للسؤال على وجه المناقشة لا للاستعلام مما لا يعتمد عليه، ومن هنا قيل:
الظاهر على إرادة الاستئناف أن يكون نحويا، وجوز في هذا التركيب غير ما ذكر من أوجه الإعراب أيضا.
وقرأ البصريان «والبحر» بالنصب على أنه معطوف على اسم أن ويَمُدُّهُ خبر له أي ولو أن البحر ممدود بسبعة أبحر.
قال ابن الحاجب في أماليه: ولا يستقيم أن يكون يَمُدُّهُ حالا لأنه يؤدي أيضا إلى تقييد المبتدأ الجامد بالحال ولا يجوز لأنها بيان الفاعل أو المفعول والمبتدأ ليس كذلك ويؤدي إلى كون المبتدأ لا خبر له ولا يستقيم أن يكون أَقْلامٌ خبرا له لأنه خبر الأول اهـ، ولم يذكر احتمال تقدير الخبر لظهور أنه خلاف الظاهر.
وجوز أن يكون منصوبا على شريطة التفسير عطفا على الفعل المحذوف أعني ثبت ودخول لو على المضارع جائزة، وجملة يَمُدُّهُ إلخ حينئذ لا محل لها من الإعراب.
وقرأ عبد الله «وبحر» بالتنكير والرفع وخرج ذلك ابن جني على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي هناك بحر يمده إلخ، والواو واو الحال لا محالة، ولا يجوز أن يعطف على أَقْلامٌ لأن البحر وما فيه ليس من حديث الشجر والأقلام وإنما هو من حديث المداد. وفي البحر أن الواو على هذه القراءة للحال أو للعطف على ما تقدم، وإذا كانت للحال كان الْبَحْرُ مبتدأ وسوغ الابتداء به مع كونه نكرة تقدم تلك الواو فقد عد من مسوغات ابتداء بالنكرة كما في قوله:
سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا محياك أخفى ضوءه كل شارق
اهـ ولا يخفى أنه إذا عطف على فاعل ثبت فجملة يَمُدُّهُ في موضع الصفة له لا حال منه وجوز ذلك من جوز مجيء الحال من النكرة، والظاهر على تقدير كونه مبتدأ جعل الجملة خبره ولا حاجة إلى جعل خبره محذوفا كما فعل ابن جني.
وقرأ ابن مسعود، وأبي «تمده» بتاء التأنيث من مد كالذي في قراءة الجمهور، وقرأ ابن مسعود أيضا، والحسن، وابن مصرف، وابن هرمز «يمده» بضم الياء التحتية من الأمداد، وقال ابن الشيخ: يمد بفتح فضم ويمد بضم فكسر لغتان بمعنى، وقرأ جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما «والبحر مداده» أي ما يكتب به من الحبر، وقال ابن عطية: هو
(١) الاعتصار بالماء أن يشربه قليلا ليسيغ ما غص به من الطعام اهـ منه.


الصفحة التالية
Icon