وقتها أظهرها كما هو عندنا، قالوا: لأن الكفارة أعني الاعتاق عبادة لها بدل من غير جنسها كوضوء وتيمم وقيام صلاة وقعودها فاعتبر وقت أدائها، وغلب الثاني كمذهب أحمد والظاهرية شائبة العقوبة فاعتبر وقت الوجوب- كما لو زنى قنّ ثم عتق فإنه يحدّ حدّ القنّ- والثالث الأغلظ من الوجوب إلى الأداء، والرابع الأغلظ منهما، وأعرض عما بينهما.
ومن يملك ثمن رقبة إلا أنه دين على الناس فإن لم يقدر على أخذه من مديونه فهو فاقد فيجزئه الصوم وإن قدر فواجد فلا يجزئه وإن كان له مال ووجب عليه دين مثله فهو فاقد بعد قضاء الدين، وأما قبله فقيل فاقد أيضا بناء على قول محمد أنه تحل له الصدقة المشير إلى أن ماله لكونه مستحقا الصرف إلى الدين ملحق بالعدم حكما، وقيل: واجد لأن ملك المديون في ماله كامل بدليل أنه يملك جميع التصرفات فيه.
وفي البدائع لو كان في ملكه رقبة صالحة للتكفير فعليه تحريرها سواء كان عليه دين أو لم يكن لأنه واجد حقيقة، وحاصله أن الدين لا يمنع تحرير الرقبة الموجودة، ويمنع وجوب شرائها بما عنده من مثل الدين على أحد القولين، والظاهر أن الشراء متى وجب يعتبر فيه ثمن المثل، وصرح بذلك النووي وغيره من الشافعية فقالوا: لا يجب شراء الرقبة بغبن أي زيادة على ثمن مثلها نظير ما يذكر في شراء الماء للطهارة، والفرق بينهما بتكرير ذلك ضعيف، وعلى الأول- كما قال الأذرعي وغيره نقلا عن الماوردي واعتمدوه- لا يجوز العدول للصوم بل يلزمه الصبر إلى الوجود بثمن المثل، وكذا لو غاب ماله فيكلف الصبر إلى وصوله أيضا، ولا نظر إلى تضررهما بفوات التمتع مدة الصبر لأنه الذي ورط نفسه فيه انتهى.
وما ذكروه فيما لو غاب ماله موافق لمذهبنا فيه ولو كان عليه كفارتا ظهار لامرأتين وفي ملكه رقبة فقط فصام عن ظهار إحداهما، ثم أعتق عن ظهار الأخرى ففي المحيط في نظير المسألة يقتضي عدم إجزاء الصوم عن الأولى قال: عليه كفارتا يمين، وعنده طعام يكفي لإحداهما فصام عن إحداهما ثم أطعم عن الأخرى لا يجوز صومه لأنه صام وهو قادر على التكفير بالمال فلا يجزئه، ويعتبر الشهر بالهلال فلا فرق بين التام والناقص فمن صام بالأهلّة واتفق أن كل شهر تسعة وعشرون حتى صار مجموع الشهرين ثمانية وخمسين أجزاه ذلك وإن غم الهلال اعتبر- كما في المحيط- كل شهر ثلاثين وإن صام بغير الأهلة فلا بدّ من ستين يوما كما في الفتح القدير، ويعتبر الشهر بالهلال عند الشافعية أيضا، وقالوا: إن بدأ في أثناء شهر حسب الشهر بعده بالهلال لتمامه وأتم الأول من الثالث ثلاثين لتعذر الهلال فيه بتلفقه من شهرين، وعلى هذا يتفق كون صيامه ستين وكونه تسعة وخمسين، ولا يتعين الأول كما لا يخفى فلا تغفل، وإن أفطر يوما من الشهرين ولو الأخير بعذر من مرض أو سفر لزم الاستئناف لزوال التتابع وهو قادر عليه عادة، وقال أبو حيان: إن أفطر بعذر كسفر فقال ابن المسيب والحسن وعطاء وعمرو بن دينار والشعبي ومالك والشافعي في أحد قوليه: يبني اه، وإن جامع التي ظاهر منها في خلال الشهرين ليلا عامدا أو نهارا ناسيا استأنف الصوم عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: لا يستأنف لأنه لا يمنع التتابع إذ لا يفسد به الصوم وهو الشرط، ولهما أن المأمور به صيام شهرين متتابعين لا مسيس فيهما فإذا جامعها في خلالها لم يأت بالمأمور به، وإن جامع زوجة أخرى غير المظاهر منها ناسيا لا يستأنف عند الإمام أيضا كما لو أكل ناسيا لأن حرمة الأكل والجماع إنما هو للصوم لئلا ينقطع التتابع ولا ينقطع بالنسيان فلا استئناف بخلاف حرمة جماع المظاهرة فإنه ليس للصوم بل لوقوعه قبل الكفارة، وتقدمها على المسيس شرط حلها، فبالجماع ناسيا في أثنائه يبطل حكم الصوم المتقدم في حق الكفارة، ثم إنه يلزم في الشهرين أن لا يكون فيهما صوم رمضان لأن التتابع منصوص عليه وشهر رمضان لا يقع عن الظهار


الصفحة التالية
Icon