الحبيلي في الديباج عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «أنا أول من تنشق عنه الأرض فأجلس جالسا في قبري وإن الأرض تحرك بي فقلت لها مالك؟ فقالت: إن ربي أمرني أن ألقي ما في جوفي وأن أتخلى فأكون كما كنت إذ لا شيء فيّ»
وذلك قوله تعالى وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها في الإلقاء وما بعده وَحُقَّتْ الكلام فيه نظير ما تقدم، وفيه إشارة إلى أن ما ذكر وإن أسند إلى الأرض فهو بفعل الله تعالى وقدرته عز وجل وتكرير كلمة إذا لاستقلال كل من الجملتين بنوع من القدرة يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ أي جاهد ومجد جدا في عملك من خير وشر إِلى رَبِّكَ كَدْحاً أي طول حياتك إلى لقاء ربك أي إلى الموت وما بعده من الأحوال الممثلة باللقاء والكدح جهد النفس في العمل حتى يؤثر فيها، من كدح جلده إذا خدشه قال ابن مقيل:
وما الدهر إلّا تارتان فمنهما | أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح |
وقال آخر:ومضت بشاشة كل عيش صالح | وبقيت أكدح للحياة وأنصب |
فَمُلاقِيهِ أي فملاق له عقيب ذلك لا محالة من غير صارف يلويك عنه، والضمير له عز وجل أي فملاقي جزائه تعالى. وقيل: هو للكدح أي فملاقي جزاء الكدح وبولغ فيه على نحو:
«إنما هي أعمالكم ترد إليكم» والظاهر أن
«ملاقيه» معطوف على كادِحٌ على القولين. وقال ابن عطية بعد ذكره الثاني فألقاه على هذا عاطفة جملة الكلام على الجملة التي قبلها، والتقدير فأنت ملاقيه، ولا يظهر وجه التخصيص والمراد بالإنسان الجنس كما يؤذن به التقسيم بعد وقال مقاتل: المراد به الأسود بن هلال المخزومي جادل أخاه أبا سلمة في أمر البعث فقال أبو سلمة إي والذي خلقك لتركبن الطبقة ولتوافين العقبة، فقال الأسود: فأين الأرض والسماء وما حال الناس؟ وكأنه أراد أنها نزلت فيه وهي تعم الجنس، وقيل: المراد أبيّ بن خلف كان يكدح في طلب الدنيا وإيذاء الرسول صلّى الله عليه وسلم والإصرار على الكفر، ولعل القائل أراد ذلك أيضا وأبعد غاية الإبعاد من ذهب إلى أنه الرسول عليه الصلاة والسلام على أن المعنى إنك تكدح في إبلاغ رسالات الله عز وجل وإرشاده عباده سبحانه واحتمال الضرر من الكفار، فأبشر إنك تلقى الله تعالى بهذا العمل وهو غير ضائع عنده جل شأنه وجواب إِذَا قيل قوله تعالى فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً إلخ كما في قوله تعالى فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: ٣٨] وقوله تعالى يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إلخ اعتراض، وقيل: هو محذوف للتهويل أي كان ما كان مما يضيق عنه نطاق البيان، وقدره بعضهم نحو ما صرح به في سورتي التكوير والانفطار، وقيل: هو ما دل عليه يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إلخ وتقديره لاقى الإنسان كدحه، وقيل: هو نفسه على حذف الفاء والأصل فيا أيها الإنسان أو بتقدير يقال.
وقال الأخفش والمبرد: هو قوله تعالى فَمُلاقِيهِ بتقدير فأنت ملاقيه ليكون مع المقدر جملة، وعلى هذا جملة يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إلخ معترضة. وقال ابن الأنباري والبلخي هو وَأَذِنَتْ على زيادة الواو كما قيل في قوله تعالى حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها [الزمر: ٧١، ٧٣] وعن الأخفش أن إذا هنا لا جواب لها لأنها ليست بشرطية بل هي في إذا السماء متجردة عنها مبتدأ، وفي وإذا الأرض خبر والواو زائدة أي وقت انشقاق السماء وقت مد الأرض وقيل لا جواب لها لأنها ليست بذلك بل متجردة عن الشرطية واقعة مفعولا لأذكر محذوفا، ولا يخفى ما في بعض هذه الأقوال من الضعف ولعل الأولى منها الأولان والحساب اليسير السهل الذي لا مناقشة فيه كما قيل وفسره عليه الصلاة والسلام بالعرض وبالنظر في الكتاب مع التجاوز،
فقد