النازل فيه وكذا إذا تعلق بالصدر الذي هو محل القلب وربما يؤذن ذلك بسعة القلب لما أن العادة كالمطردة في أن توسعة ما حوالى المنزل إنما تكون إذا كان المنزل واسعا فيوسع ما حواليه لتحصيل زيادة بهجة ونحوها فيه فينتقل منه إلى سرور النفس بالواسطة. وقد يراد به إذا تعلق بالقلب أو الصدر أيضا تكثير ما فيه من المعلومات فقيل: يتخيل أنها تحتاج إلى فضاء تكون فيه وأن ذلك محل لها، فمتى كانت كثيرة اقتضت أن يكون محلها واسعا ليسعها. وقد يراد بها تكثير ما في النفس من ذلك فقيل أيضا بتخيل أن تكثير معلوماتها يستدعي توسيعها وتوسيعها يستدعي توسيع ذلك لتنزيله منزلة محلها، وقد يراد به تأييد النفس بقوة قدسية وأنوار إلهية بحيث تكون ميدانا لمواكب المعلومات، وسماء لكواكب الملكات، وعرشا لأنواع التجليات، وفرشا لسوائم الواردات، فلا يشغله شأن عن شأن، ويستوي لديه يكون وكائن وكان. ووجه نسبته إلى الصدر على نحو ما مر وإرادة القلب من الصدر والنفس من القلب بعلاقة المحلية ونحوها مما لا تميل إليه النفس وإرادة كل مما ذكر بقرينة المقام والأنسب بمقام الامتنان هنا إرادة هذا المعنى الأخير. وجوز غيره فالمعنى ألم نفسح صدرك حتى حوى عالمي الغيب والشهادة وجمع بين ملكتي الاستفادة والإفادة فما صدك الملابسة بالعلائق الجسمانية عن اقتباس أنوار الملكات الروحانية، وما عاقك التعلق بمصالح الخلق عن الاستغراق في شؤون الحق. وقيل المعنى ألم نزل همك وغمك باطلاعك على حقائق الأمور وحقارة الدنيا فهان عليك احتمال المكاره في الدعاء إلى الله تعالى. ونقل عن الجمهور أن المعنى ألم نفسحه بالحكمة وتوسعه بتيسيرنا لك تلقي ما يوحى إليك بعد ما كان يشق عليك. وعن ابن عباس وجماعة أنه إشارة إلى شق صدره الشريف في صباه عليه الصلاة والسلام وقد وقع هذا الشق على ما في بعض الأخبار وهو عند مرضعته حليمة
فقد روي عنها أنها قالت في شأنه عليه الصلاة والسلام: لم نزل نتعرف من الله تعالى الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته فكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا، فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على بقائه عندنا لما نرى من بركته، فقلنا لأمه: لو تركتيه عندنا حتى يغلظ فإنّا نخشى عليه وباء مكة، فلم نزل بها حتى ردته معنا فرجعنا به، فو الله إنه لبعد مقدمنا به بشهر أو ثلاثة مع أخيه من الرضاعة لغي بهم لنا خلف بيوتنا جاء أخوه يشتد فقال: ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه وشقا بطنه، فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فوجدناه قائما منتقعا لونه فاعتنقه أبوه وقال: أي بني ما شأنك؟ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني ثم استخرجا منه شيئا، فطرحاه ثم رداه كما كان فرجعنا به معنا. فقال أبوه: يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب فانطلقي فرديه إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوفه، قالت: فاحتملناه إلى أمه، فقالت: ما رد كما به فقد كنتما حريصين عليه؟ قلنا: نخشى الاختلاف والأحداث. فقالت ما ذاك بكما فأصدقاني شأنكما؟ فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره. فقالت: أخشيتما عليه الشيطان لا والله ما للشيطان عليه سبيل، وإنه لكائن لابني هذا شأن فدعاه عند كما.
وفي حديث لأبي يعلى وأبي نعيم وابن عساكر ما يدل على تكرر وقوع ذلك له عليه الصلاة والسلام وهو عند حليمة وقد وقع له صلّى الله عليه وسلم أيضا بعد بلوغه صلّى الله عليه وسلم
ففي الدر المنثور أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن أبيّ بن كعب أن أبا هريرة قال: يا رسول الله، ما أول ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله صلّى الله عليه وسلم جالسا، وقال: «لقد سألت أبا هريرة إني لفي صحراء ابن عشرين سنة وأشهر إذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو، فاستقبلاني بوجوه لم أرها بخلق قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم


الصفحة التالية
Icon