زعمه على هدى ورشد في نفس النهي أو أنه أمر بواسطته بالتقوى لأن النهي عن الشيء أمر بضده أو مستلزم له فقال تعالى شأنه أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ إلخ أي أخبرني عن ذلك الناهي ألم يعلم أن الله يطلع فيجازيه إن كان على هدى ورشد في نفس النهي أو كان أمرا بواسطته بالتقوى كما يزعم. وشنع جل شأنه عليه ثالثا بذلك وأوعده عليه أيضا على تقدير أنه في نفس الأمر وفيما يقوله تعالى مكذبا بحقية الصلاة متوليا عنها معرضا عن فعلها بقوله تعالى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ إلخ أي أخبرني عن ذلك الناهي ألم يعلم بأن الله تعالى يطلع على أحواله إن كذب بحقية ما نهى عنه وأعرض عن فعله على ما نقوله نحن، والحاصل أنه تعالى شنع وأوعد على النهي عن الصلاة بدون تعرض لحال الناهي الزعمي أو الحقيقي، ثم شنع وأوعد جل وعلا عليه مع التعرض لحاله الزعمي، ثم شنع عز وجل وأوعد عليه مع التعرض لحاله الحقيقي وهذا كالترقي في التشنيع. والجمهور على عدم تقييد ما في حيّز الشرطيتين بما ذكرنا حيث قالوا: إن كان على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله تعالى أو كان أمرا بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يزعم أو كان مكذبا للحق ومتوليا عن الصواب كما نقول، وذكر أن الشرط الثاني تكرار للأول لأن معنى الأول أنه ليس على الهدى، وأوضح بأن إدخال حرف الشرط في الأول لإرخاء العنان صورة والتهكم حقيقة إذ لا يكون في النهي عن عبادته تعالى والأمر بعبادة الأصنام هدى البتة، وفي الثاني لذلك والتهكم على عكس الأول إذ لا شك أنه مكذب متولّ فما لهما إلى واحد. وقيل: إن الرؤية في الجملة
الأولى بصرية فلا تحتاج إلى مفعول ثان، وفي الثانية والثالثة قلبية والمفعول الأول على ما تقدم والمفعول الثاني سد مسده الجملة الشرطية الأولى بجوابها وهو في الأخيرة أَلَمْ يَعْلَمْ إلخ لمذكور وفيما قبلها محذوف دل هو عليه، ولم تعطف الأخيرة على ما قبلها للإيذان باستقلالها بالوقوع في نفس الأمر وباستتباع الوعيد الذي ينطق به الجواب، وأما قبلها فأمر الشرط فيه ليس إلّا لتوسيع الدائرة وهو السر في تجريده عن الجواب والإحالة به على جواب الشرطية بعده، والخطاب في الكل لمن يصلح له والتنوين في عَبْداً لتفخيمه عليه الصلاة والسلام واستعظام النهي وتأكيد التعجيب منه والمعنى أخبرني عن ذلك الناهي إن كان على الهدى فيما ينهى عنه من عبادة الله تعالى إلخ ما ذكر آنفا ألم يعلم أن الله يرى ويطلع على أحواله فيجازيه بها حتى اجترأ على ما فعل. وقيل إن أَرَأَيْتَ في الجمل الثلاث من الرؤية القلبية، والمفعول الأول للأولى الموصول، ومفعولها الثاني الجملة الشرطية الأولى بجوابها المحذوف اكتفاء عنه بجواب الشرطية الثانية إذ علم من ضرورة التقابل. وأَ رَأَيْتَ الثانية تكرارا للأولى، وأَ رَأَيْتَ الثالثة ومفعولها الأول محذوف للقرينة مستقلة لأنها تقابل الأولى للتقابل بين الشرطين يعني قوله تعالى إِنْ كانَ إلخ، وقوله سبحانه إِنْ كَذَّبَ إلخ. وفي الإتيان بالجملة الأخيرة من دون العطف ترشيح للكلام المبكت وتنبيه على حقية الشرط، ولهذا صرح بجوابه ليتمحض وعيدا والخطاب على ما تقدم أولا والكلام من قبيل الكلام المنصف وإرخاء العنان ولذا قيل عَبْداً ولم يقل نبيا مجتبى فكأنه قيل أخبرني يا من له أدنى تمييز عن حال هذا الذي ينهى بعض عباد الله تعالى فضلا عن النبي المجتبى عن صلاته إن كان ذلك الناهي على هدى فيما ينهى عنه من عبادة الله تعالى أو كان آمرا بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأصنام كما يزعم، وكذلك إن كان على التكذيب للحق والتولي عن الدين الصحيح كما تقول أَلَمْ يَعْلَمْ إلخ. وقيل أَرَأَيْتَ في الجملتين الثانية والثالثة تكرار للأولى والشرطيتان بجوابهما سادتان مسد المفعول الثاني للأولى، وأَ لَمْ يَعْلَمْ إلخ جواب الشرط الثاني وجواب الأول محذوف لدلالته عليه ولم يقل أو إن كذب إلخ لأنه ليس بقسيم لما قبله على ما قيل. والمعنى على نحو ما سمعت وأورد على جميع هذه الأقوال أن في تجويز


الصفحة التالية
Icon