وقوله عليه الصلاة والسلام على ما أخرجه الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة وآخرون عن أنس عنه صلّى الله عليه وسلم: «دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أذفر، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله تعالى»
وجاء في حديث عن أنس أيضا قال: دخلت على رسول الله فقال: «قد أعطيت الكوثر» قلت: «يا رسول الله وما الكوثر؟ قال: «نهر في الجنة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب لا يشرب منه أحد فيظمأ ولا يتوضأ منه أحد فيشعث أبدا، لا يشرب منه من أخفر ذمتي ولا من قتل أهل بيتي»
وروي عن عائشة أنها قالت: هو نهر في الجنة عمقه سبعون ألف فرسخ ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، شاطئاه الدر والياقوت والزبرجد، خص الله تعالى به نبيه محمد صلّى الله عليه وسلم من بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقالت: ليس أحد يدخل أصبعيه في أذنيه إلّا سمع خرير ذلك النهر
. وهو على التشبيه البليغ. وقيل: هو حوض له عليه الصلاة والسلام في المحشر. وقول بعضهم الاختلاف في الروايات سببه ملاحظة اختلاف سرعة السير وعدمها وهو قبل الميزان والصراط عند بعض وبعدهما قريبا من باب الجنة حيث يحبس أهلها من أمته صلّى الله عليه وسلم ليتحاللوا من المظالم التي بينهم عند آخرين، ويكون على هذا في الأرض المبدلة. وقيل له صلّى الله عليه وسلم حوضان حوض قبل الصراط وحوض بعده ويسمى كل منهما على ما حكاه القاضي زكريا كوثرا وصحح رحمه الله تعالى أنه بعد الصراط، وأن الكوثر في الجنة وأن ماءه ينصب فيه ولذا يسمى كوثرا وليس هو من خواصه عليه الصلاة والسلام كالنهر السابق بل يكون لسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يرده مؤمنو أممهم.
ففي حديث الترمذي: «إن لكل نبي حوضا وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة»
. وهو كما قال حديث حسن غريب. وهذه الحياض لا يجب الإيمان بها كما يجب الإيمان بحوضه عليه الصلاة والسلام عندنا خلافا للمعتزلة النافين له لكون أحاديثه بلغت مبلغ التواتر بخلاف أحاديثها فإنها آحاد بل قيل: لا تكاد تبلغ الصحة. ورأيت في بعض الكتب أن الكوثر هو النهر الذي ذكره أولا وهو الحوض وهو على ظهر ملك عظيم يكون مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم حيث يكون فيكون في المحشر إذ يكون عليه الصلاة والسلام فيه، وفي الجنة إذ يكون عليه الصلاة والسلام فيها، ولا يعجز الله تعالى شيء. وقيل: هو أولاده عليه الصلاة والسلام لأن السورة نزلت ردا على من عابه صلّى الله عليه وسلم وهم والحمد لله تعالى كثيرون قد ملؤوا البسيطة.
وقال أبو بكر بن عباس ويمان بن وثاب: أصحابه وأشياعه صلّى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وقيل: علماء أمته صلّى الله عليه وسلم وهم أيضا كثيرون في كل قطر وإن كانوا اليوم في بعض الأقطار والأمر لله تعالى أقل قليل. وعن الحسن أنه القرآن وفضائله لا تحصى. وقال الحسين بن الفضل: هو تيسير القرآن وتخفيف الشرائع. وقيل: هو الإسلام. وقال هلال: هو التوحيد. وقال عكرمة: هو النبوة.
وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: هو نور قلبه صلّى الله عليه وسلم
. وقيل هو العلم والحكمة. وقال ابن كيسان: هو الإيثار. وقيل هو الفضائل الكثيرة المتصف بها عليه الصلاة والسلام.
وقيل المقام المحمود وقيل غير ذلك. وقد ذكر في التحرير ستة وعشرين قولا فيه وصحح في البحر قول النهر وجماعة أنه الخير الكثير والنعم الدنيوية والأخروية من الفضائل والفواضل، ورواه ابن جرير وابن عساكر عن مجاهد وهو المشهور عن الحبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وقد أخرج البخاري وابن جرير والحاكم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال: الكوثر الخير الذي أعطاه الله تعالى إياه عليه الصلاة والسلام. قال أبو بشر: قلت لسعيد فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة. قال: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله عز وجل إياه صلّى الله عليه وسلم. وحكي هذا الجواب عن ابن عباس نفسه أيضا وفيه إشارة إلى أن ما صح في الأحاديث من تفسيره صلّى الله عليه وسلم إياه بالنهر من باب التمثيل والتخصيص لنكتة وإلا فبعد أن صح