سورة المسد
وتسمى سورة المسد، وهي مكية وآيها خمس بلا خلاف في الأمرين. ولما ذكر سبحانه فيما قبل دخول الناس في ملة الإسلام عقبه سبحانه بذكر هلاك بعض ممن لم يدخل فيها وخسرانه.
على نفسه فليبك من ضاع عمره | وليس له منها نصيب ولا سهم |
كذا قيل في وجه الاتصال، وقيل هو من اتصال الوعيد بالوعد وفي كل مسرة له عليه الصلاة والسلام وقال الإمام في ذلك إنه تعالى لما قال لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون: ٦] فكأنه صلّى الله عليه وسلم قال:
«إلهي فما جزائي» فقال الله تعالى: لك النصر والفتح فقال:
«فما جزاء عمي الذي دعاني إلى عبادة الأصنام» فقال: تبت يداه. وقدم الوعد على الوعيد ليكون النصر متصلا بقوله تعالى وَلِيَ دِينِ والوعيد راجعا إلى قوله تعالى لَكُمْ دِينُكُمْ على حد يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ [آل عمران: ١٠٦] الآية. فتأمل هذه المجانسة الحاصلة بين هذه السور مع أن سورة النصر من آخر ما نزل بالمدينة، وتبت من أوائل ما نزل بمكة لتعلم أن ترتيبها من الله تعالى وبأمره عز وجل ثم قال: ووجه آخر وهو أنه لما قال لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ فكأنه قيل: إلهي ما جزاء المطيع؟ قال: حصول النصر والفتح. ثم قيل: فما جزاء العاصي؟ قال: الخسار في الدنيا والعقاب في العقبى كما دلت عليه سورة تبت انتهى وهو كما ترى.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تَبَّتْ أي هلكت كما قال ابن جبير وغيره ومنه قولهم أشابة أم تابة يريدون أم هالكة من الهرم والتعجيز أي خسرت كما قال ابن عباس وابن عمر وقتادة، وعن الأول أيضا خابت، وعن يمان بن وثاب صفرت من كل خير وهي على ما في البحر أقوال متقاربة. وقال الشهاب: إن مادة التباب تدور على القطع وهو مؤد إلى الهلاك ولذا فسر به. وقال الراغب: هو الاستمرار في الخسران ولتضمنه الاستمرار قيل استتب لفلان كذا أي استمر ويرجع هذا المعنى إلى الهلاك يَدا أَبِي لَهَبٍ هو عبد العزّى بن عبد المطلب عم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان شديد المعاداة والمناصبة له عليه الصلاة والسلام ومن ذلك ما
في