الأعداد المذكورة كما خفتموه في حق اليتامى، أو كما لم تعدلوا في حقهن فاختاروا، أو الزموا واحدة واتركوا الجميع بالكلية، وقرأ إبراهيم- وثلث وربع- على القصر من- ثلاث ورباع، وقرأ أبو جعفر فَواحِدَةً بالرفع أي فالمقنع واحدة، أو فكفت واحدة أو فحسبكم واحدة أو فالمنكوحة واحدة.
أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي من السراري بالغة ما بلغت كما يؤخذ من السياق، ومقابلة الواحدة وهو عطف على واحدة على أن اللزوم والاختيار فيه بطريق التسري لا بطريق النكاح كما فيما عطف عليه لاستلزامه ورود ملك النكاح على ملك اليمين بموجب اتحاد المخاطبين في الموضعين، وقد قالوا: لا يجوز أن يتزوج المولى أمته ولا المرأة عبدها لأن النكاح ما شرع إلا مثمرا بثمرات مشتركة بين المتناكحين والمملوكية تنافي المالكية فيمتنع وقوع الثمرة على الشركة، وهذا بخلاف ما سيأتي بقوله سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ [النساء: ٢٥] فإن المأمور بالنكاح هناك غير المخاطبين بملك اليمين وبعضهم يقدر في المعطوف عليه فانكحوا لدلالة أول الكلام عليه، ويعطف هذا عليه على معنى اقتصروا على ما ملكت، والكلام على حد قوله: علفتها تبنا وماء باردا وأو للتسوية وسوى في السهولة واليسرة بين الحرة الواحدة والسراري من غير حصر لقلة تبعتهن وخفة مؤنتهن وعدم وجوب القسم فيهن، وزعم بعضهم أن هذا معطوف على النساء أي فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ أو مما ملكت أيمانكم ولا يخفى بعده، وقرأ ابن أبي عبلة من ملكت، وعبر بما في القراءة المشهورة ذهابا للوصف ولكون المملوك لبيعه وشرائه والمبيع أكثره ما لا يعقل كان التعبير بما فيه أظهر، وإسناد الملك لليمين لما أن سببه الغالب هو الصفقة الواقعة بها، وقيل: لأنه أول ما يكون بسبب الجهاد والأسر، وذلك محتاج إلى أعمالها وقد اشتهر ذلك في الأرقاء لا سيما في إناثهم كما هو المراد هنا رعاية للمقابلة بينه وبين ملك النكاح الوارد على الحرائر، وقيل: إنما قيل للرقيق ملك اليمين لأنها مخصوصة بالمحاسن وفيها تفاؤل باليمن أيضا، وعن بعضهم أن أعرابيا سئل لم حسنتم أسماء مواليكم دون أسماء أبنائكم؟ فقال: أسماء موالينا لنا وأسماء أبنائنا لأعدائنا فليفهم، وادعى ابن الفرس أن في الآية ردا على من جعل النكاح واجبا على العين لأنه تعالى خير فيها بينه وبين التسري ولا يجب التسري بالاتفاق ولو كان النكاح واجبا لما خير بينه وبين التسري لأنه لا يصح عند الأصوليين التخيير بين واجب وغيره لأنه يؤدي إلى إبطال حقيقة الواجب وأن تاركه لا يكون آثما، ولا يرد هذا على من يقول: الواجب أحد الأمرين، ويمنع الاتفاق على عدم وجوب التسري في الجملة فتدبر، وزعم بعضهم أن فيها دليلا على منع نكاح الجنيات لأنه تعالى خص النساء بالذكر.
وأنت تعلم أن مفهوم المخالفة عند القائل به غير معتبر هنا لظهور نكتة تخصيص النساء بالذكر وفائدته، وادعى الإمام السيوطي أن فيها إشارة إلى حل النظر قبل النكاح لأن الطيب إنما يعرف به، ولا يخفى أن الإشارة ربما تسلم إلا أن الحصر ممنوع وهذا الحل ثبت في غير ما حديث،
وفي صحيح مسلم أنه صلّى الله عليه وسلم قال للمتزوج امرأة من الأنصار:
«أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب وانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا»
وهو مذهب جماهير العلماء، وحكي عن قوم كراهته وهم محجوجون بالحديث والإجماع على جواز النظر للحاجة عند البيع والشراء والشهادة ونحوها، ثم إنه إنما يباح له النظر إلى الوجه والكفين، وقال الأوزاعي: إلى مواضع اللحم.
وقال داود: إلى جميع بدنها وهو خطأ ظاهر منابذ لأصول السنة والإجماع، وهل يشترط رضا المرأة أم لا؟
الجمهور على عدم الاشتراط بل للرجل النظر مع الغفلة وعدم الرضا، وعن مالك كراهة النظر مع الغفلة، وفي رواية ضعيفة عنه لا يجوز النظر إليها إلا برضاها، واستحسن كثير كون هذا النظر قبل الخطبة حتى إن كرهها تركها من غير


الصفحة التالية
Icon