الأفراد وهو المتشابه، ويجوز أن يراد من الثاني أيضا مجموع ما بين الدفتين والكلام فيه حينئذ على نحو ما سبق، قيل:
وقصارى ما يلزم من هذا التقسيم بعد تحمل القول بأنه خلاف الظاهر صدق الكتاب على الأبعاض وهو مما لا يتحاشى منه بل هو غرض من فسر الكتاب بالقدر المشترك، وأنت تعلم أن فيه غير ذلك إلا أنه يمكن دفعه بالعناية فتدبر.
وذهب ساداتنا الحنفية إلى أن المحكم الواضح الدلالة الظاهر الذي لا يحتمل النسخ، والمتشابه الخفي الذي لا يدرك معناه عقلا ولا نقلا وهو ما استأثر الله تعالى بعلمه كقيام الساعة والحروف المقطعة في أوائل السور وقيل:
المحكم الفرائض والوعد والوعيد، والمتشابه القصص والأمثال، أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال- المحكمات- ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه، والمتشابهات- ما يؤمن به ولا يعمل به، وأخرج الفريابي عن مجاهد قال- المحكمات- ما فيه الحلال والحرام وما سوى ذلك متشابه، وأخرج عبيد بن عمير عن الضحاك قال- المحكمات- ما لم ينسخ- والمتشابهات- ما قد نسخ، وقال الماوردي: المحكم ما كان معقول المعنى، والمتشابه بخلافه كأعداد الصلوات، واختصاص الصيام برمضان دون شعبان، وقيل: المحكم ما لم يتكرر ألفاظه، المتشابه ما يقابله، وقيل: غير ذلك، وهذا الخلاف في- المحكم، والمتشابه- هنا وإلا فقد يطلق المحكم بمعنى المتقن النظم، والمتشابه على ما يشبه بعضه بعضا في البلاغة، وهما بهذا المعنى يطلقان على جميع القرآن وعلى ذلك خرج قوله تعالى: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ [هود: ١] وقوله سبحانه: كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ [الزمر: ٢٣] فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ أي عدول عن الحق وميل عنه إلى الأهواء.
وقال الراغب: الزيغ الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين- وزاغ. وزال. ومال- متقاربة لكن زاغ لا يقال: إلا فيما كان عن حق إلى باطل ومصدره زيغا وزيغوغة وزيغانا وزيوغا، والمراد بالموصول نصارى نجران أو اليهود- وإليه ذهب ابن عباس- وقيل: منكر والبعث، وقيل: المنافقون،
وأخرج الإمام أحمد. وغيره عن أبي أمامة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنهم الخوارج
وظاهر اللفظ العموم لسائر من زاغ عن الحق فليحمل ما ذكر على بيان بعض ما صدق عليه العام دون التخصيص، وفي جعل قلوبهم مقرا للزيغ مبالغة في عدولهم عن سنن الرشاد وإصرارهم على الشر والفساد. وزيغ مبتدأ أو فاعل فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ أي يتعلقون بذلك وحده بأن لا ينظروا إلى ما يطابقه من المحكم ويردوه إليه وهو إما بأخذ ظاهره الغير المراد له تعالى أو أخذ أحد بطونه الباطلة وحينئذ يضربون القرآن بعضه ببعض ويظهرون التناقض بين معانيه إلحادا منهم وكفرا ويحملون لفظه على أحد محتملاته التي توافق أغراضهم الفاسدة في ذلك وهذا هو المراد بقوله سبحانه: ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ أي طلب أن يفتنوا المؤمنين والمؤمنات عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه- كما نقل عن الواقدي- وطلب أن يؤولوه حسبما يشتهونه، فالإضافة في تَأْوِيلِهِ للعهد أي بتأويل مخصوص وهو ما لم يوافق المحكم بل ما كان موافقا للتشهي، والتأويل التفسير- كما قاله غير واحد- وقال الراغب: إنه من الأول وهو الرجوع إلى الأصل- ومنه الموئل- للموضع الذي يرجع إليه وذلك هو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه علما كان أو فعلا، ومن الأول ما ذكر هنا، ومن الثاني قوله: وللنوى قبل يوم البين تأويل وقوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ [الأعراف: ٥٣] أي بيانه الذي هو غايته المقصودة منه وقوله سبحانه: ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: ٥٩] قيل: أحسن ترجمة ومعنى، وقيل: أحسن ثوابا في الآخرة انتهى.
وجوز في هاتين الطلبتين أن تكونا على سبيل التوزيع بأن يكون ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ طلبة بعض وابتغاء التأويل حسب التشهي طلبة آخرين، ويجوز أن يكون الاتباع لمجموع الطلبتين وهو الخليق بالمعاند لأنه لقوة عناده ومزيد


الصفحة التالية
Icon