كنسبة السمك إلى السماك وإن أراد به أن القضية الصادقة هي المأخوذة باعتبار الاستعمال العرفي المنطقي فمسلم أنه لا بد من صدق عكسها على تقدير صدق أصلها لكن لا نسلم كذب العكس هنا على ذلك التقدير فإنه إذا فرض لزوم الجعل رجلا للجعل الأول كليا على جميع التقادير يصدق لزوم الجعل ملكا للجعل رجلا على بعض الأوضاع والتقادير وهو اللازم المقرر في قواعدهم على أن قوله إن الله تعالى قد جعله رجلا ولم يجعله ملكا لا يليق أن يصدر مثله من مثله لأنه استدلال بعدم اللازم مع وجود الملزوم على بطلان اللزوم وهو كما لو قال: إذا قلنا إن زيد صاهلا كان حيوانا لا يصدق عكسه، وهو قد يكون إذا كان زيد حيوانا كان صاهلا لأنه ليس بصاهل في الواقع، ومنشأ هذا هو ظن أن عدم تحقق أحد الطرفين، أو كليهما ينافي اللزوم.
وأنت خبير بأن صدق اللزوم لا يتوقف على تحقق الطرفين ولا تحقق المقدم اه. وبحث فيه المولى العلائي أما أولا فبأن كون القضية هي الجملة الجزائية والشرط قيد لها كلام ذكره بعض أهل العربية ورده السيد السند وحقق اتفاق الفريقين على كون الجملة هي المجموع وحينئذ كيف يصح بناء الجواب على ذلك.
وأما ثانيا فبأن المستشكل لم يستدل بعدم اللازم مع وجود الملزوم على بطلان اللزوم كما لا يخفى على الناظر في عبارته، فالصواب أن يقال: أكثر استعمال لو عند أهل العربية لمعنيين. الأول ما ذكره المجيب من انتفاء الثاني لانتفاء الأول. والثاني الدلالة على أن الجزاء لازم الوجود في جميع الأزمنة في قصد المتكلم. وذلك إذا كان الشرط يستبعد استلزامه لذلك الجزاء ويكون نقيض ذلك الشرط أنسب وأليق باستلزام ذلك الجزاء فيلزم استمرار وجود الجزاء على تقدير وجود الشرط وعدمه كما في نعم العبد صهيب لو لم يخف الله تعالى لم يعصه. وقد صرح المحققون أن الآية إما من قبيل الأول أي لو جعلناه قرينا لك ملكا يعاينونه أو الرسول المرسل إليهم ملكا لجعلنا ذلك الملك في صورة رجل وما جعلنا ذلك الملك في صورة رجل لأنا لم نجعل القرين أو الرسول المرسل إليهم ملكا. وإما من قبيل الثاني أي ولو جعلنا الرسول ملكا لكان في صورة رجل فكيف إذا كان إنسانا وكل منهما لا يقبل العكس المذكور ولا ثالث فلا إشكال فتدبر. فالبحث بعد محتاج إلى بسط كلام ولو بسطناه لأمل الناظرين.
وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ جعله بعضهم جواب محذوف أي ولو جعلناه رجلا للبسنا إلخ، وكأن الداعي إليه إعادة لام الجواب فإنه يقتضي استقلاله وأنه لا ملازمة بين إرسال الملك، واللبس عليهم فإنه ليس سببا له بل لعكسه، ويجوز أن يكون عطفا على جواب لو المذكور ولا ضير في عطف لازم الجواب عليه، ونكتة إعادة اللام أن لازم الشيء بمنزلته فكأنه جلباب، واللبس في الأصل الستر بالثوب ويطلق على منع النفس من إدراك الشيء بما هو كالستر له يقال: لبست الأمر على القوم ألبسه إذا شبهت عليهم وجعلته مشكلا. قال ابن السكيت: يقال لبست عليه الأمر إذا خلطته عليه حتى لا يعرف جهته أي لخلطنا عليهم بتمثيله رجلا ما يخلطون على أنفسهم حينئذ بأن يقولوا له: إنما أنت بشر ولست بملك، ولو استدل على ملكيته بالمعجز كالقرآن ونحوه كذبوه كما كذبوا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وإسناد اللبس إليه تعالى لأنه بخلقه سبحانه وتعالى أو للزومه لجعله رجلا.
ويحتمل أن يكون المعنى للبسنا عليهم حينئذ ما يلبسون على أنفسهم الساعة في تكذيبهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ونسبة آياته البينات إلى السحر، وما على ما اختاره في الكشف على الأول موصولة. وعلى الثاني يجوز أن تكون مصدرية وهو الأظهر لاستمرار حذف المثل في نحو ضربت ضرب الأمير، وأن تكون موصولة أي مثل الذي يلبسونه.
ومتعلق يَلْبِسُونَ على الوجهين على أنفسهم. ويفهم من كلام الزجاج أنه على ضعفائهم حيث قال: كانوا يلبسون على ضعفائهم في أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم فيقولون: إنما هذا بشر مثلكم فأخبر سبحانه وتعالى أنه لو جعلنا المرسل إليهم ملكا


الصفحة التالية
Icon