كيف الرشاد وقد خلفت في نفر لهم عن الرشد أغلال وأقياد
كأنه قيل: أولئك مقيدون بقيود الضلالة لا يرجى خلاصهم. الثاني أن يكون المراد وصفهم به في الآخرة والكلام إما باق على حقيقته كما قال سبحانه: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ [غافر: ٧١] وروي ذلك عن الحسن قال: إن الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النار لأنهم أعجزوا الرب سبحانه ولكنما جعلت في أعناقهم لكي إذا طغا بهم اللهب أرستهم في النار، وأما مخرج مخرج التشبيه لحالهم بحال من يقدم للسياسة. وقيل: المراد من الأغلال أعمالهم الفاسدة التي تقلدوها كالأغلال، وهو جار على احتمال أن يكون ذلك في الدنيا أو في الآخرة والأول ناظر إلى ما قبل والثاني إلى قوله تعالى: وَأُولئِكَ أي الموصوفون بما ذكر أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ لا ينفكون عنها، قيل: وتوسيط الفصل ليس لتخصيص الخلود بمنكري البعث خاصة بل بالجميع المدلول عليه بقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ.
وأورد على ذلك أن هُمْ ليس ضمير فصل لأن شرطه أن يقع بين مبتدأ وخبر يكون اسما معرفة أو مثل المعرفة في أنه لا يقبل حرف التعريف كأفعل التفضيل وهذا ليس كذلك، وأجيب بأن المراد بالفصل الضمير المنفصل وأنه أتى به وجعل الخبر جملة مع أن الأصل فيه الإفراد لقصد الحصر والتخصيص المذكور كما في هو عارف.
وقال بعضهم: لعل القائل بما ذكر لا يتبع النحاة في الاشتراط المذكور كما أن الجرجاني والسهيلي جوزا ذلك إذا كان الخبر مضارعا واسم الفاعل مثله وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ بالعقوبة التي هددوا بها على الإصرار على الكفر استهزاء وتكذيبا قَبْلَ الْحَسَنَةِ أي العافية والسلامة منها، والمراد بكونها قبلها أن سؤالها قبل سؤالها أو أن سؤالها قبل انقضاء الزمان المقدر لها، وأخرج ابن جرير. وغيره عن قتادة أنه قال في الآية: هؤلاء مشركو العرب استعجلوا بالشر قبل الخير فقالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال:
٣٢] وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ جمع مثلة كسمرة وسمرات وهي العقوبة الفاضحة، وفسرها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بالعقوبة المستأصلة للعضو كقطع الاذن ونحوه سميت بها لما بين العقاب والمعاقب به من المماثلة كقوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى: ٤٠] أو هي مأخوذة من المثال بمعنى القصاص يقال: أمثلت الرجل من صاحبه وأقصصته بمعنى واحد أو هي من المثل المضروب لعظمها.
والجملة في موضع الحال لبيان ركاكة رأيهم في الاستعجال بطريق الاستهزاء أي يستعجلونك بذلك مستهزئين بإنذارك منكرين لوقوع ما أنذرتهم إياه والحال أنه قد مضت العقوبات الفاضحة النازلة على أمثالهم من المكذبين المستهزئين. وقرأ مجاهد. والأعمش «المثلات» بفتح الميم والثاء، وعيسى بن عمرو في رواية الأعمش. وأبو بكر بضمهما وهو لغة أصلية، ويحتمل أنه أتبع فيه العين للفاء، وابن وثاب بضم الميم وسكون الثاء وهي لغة تميم، وابن مصرف بفتح الميم وسكون الثاء وهي لغة الحجازيين وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ عظيمة لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ أنفسهم بالذنوب والمعاصي، والجار والمجرور في موضع الحال من الناس والعامل فيها هو العامل في صاحبها وهو مَغْفِرَةٍ أي إنه تعالى لغفور للناس مع كونهم ظالمين: قيل: وهذه الآية ظاهرة في مذهب أهل السنة وهو جواز مغفرة الكبائر والصغائر بدون توبة لأنه سبحانه ذكر المغفرة مع الظلم أي الذنب ولا يكون معه إلا قبل التوبة لأن
التائب من الذنب كمن لا ذنب له،
وأول ذلك المعتزلة بأن المراد مغفرة الصغائر لمجتنب الكبائر أو مغفرتها لمن تاب أو المراد بالمغفرة معناها اللغوي وهو الستر بالإمهال وتأخير العقاب إلى الآخرة كأنه قيل: إنه تعالى لا يعجل للناس العقوبة وإن كانوا ظالمين بل يستر عليهم بتأخيرها. واعترض التأويل بالتخصيص بأنه تخصيص للعام من غير دليل. وأجيب بأن


الصفحة التالية
Icon