غيره، ألا ترى إلى قولهم: فقرته الفواقر وهو مثل لتوهين القوى، وبهذا الحمل لا يلزم إثبات الجسمية له تعالى، والجملة الاسمية في موضع الحال من الاسم الجليل لَهُ أي لله تعالى دَعْوَةُ الْحَقِّ أي الدعاء والتضرع الثابت الواقع في محله المجاب عند وقوعه، والإضافة للايذان بملابسة الدعوة للحق واختصاصها به وكونها بمعزل من شائبة البطلان والضلال والضياع كما يقال: كلمة الحق والمراد أن إجابة ذلك له تعالى دون غيره، ويؤيده ما بعد كما لا يخفى (١)
وقيل: المراد بدعوة الحق الدعاء عند الخوف فإنه لا يدعى فيه إلا الله تعالى كما قال سبحانه: ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: ٦٧] وزعم الماوردي أن هذا أشبه بسياق الآية، وقيل: الدعوة بمعنى الدعاء أي طلب الإقبال، والمراد به العبادة للاشتمال، والإضافة على طرز ما تقدم، وبعضهم يقول: إن هذه الإضافة من إضافة الموصوف إلى الصفة والكلام فيه شهير، وحاصل المعنى أن الذي يحق أن يعبد هو الله تعالى دون غيره.
ويفهم من كلام البعض- على ما قيل- أن الدعوة بمعنى الدعاء ومتعلقها محذوف أي للعبادة والمعنى أنه الذي يحق أن يدعى إلى عبادته دون غيره، ولا يخفى ما بين المعنيين من التلازم فإنه إذا كانت الدعوة إلى عبادته سبحانه حقا كانت عبادته جل شأنه حقا وبالعكس، وعن الحسن أن المراد من الحق هو الله تعالى، وهو- كما في البحر- ثاني الوجهين اللذين ذكرهما الزمخشري، والمعنى عليه كما قال: له دعوة المدعو الحق الذي يسمع فيجب، والأول ما أشرنا إليه أولا وجعل الحق فيه مقابل الباطل.
وبين صاحب الكشف حاصل الوجهين بأن الكلام مسوق لاختصاصه سبحانه بأن يدعى ويعبد ردا لمن يجادل في الله تعالى ويشرك به سبحانه الأنداد ولا بد من أن يكون في الإضافة اشعار بهذا الاختصاص، فإن جعل الحق في مقابل الباطل فهو ظاهر، وإن جعل اسما من أسمائه تعالى كان الأصل لله دعوته تأكيدا للاختصاص من اللام والإضافة ثم زيد ذلك بإقامة الظاهر مقام المضمر معادا بوصف ينبئ عن اختصاصها به أشد الاختصاص فقيل: له دعوة المدعو الحق والحق من أسمائه سبحانه يدل على أنه الثابت بالحقيقة وما سواه باطل من حيث هو وحق بتحقيقه تعالى إياه فيتقيد بحسب كل مقام للدلالة على أن مقابله لا حقيقة له، وإذا كان المدعو من دونه بطلانه لعدم الاستجابة فهو الحق الذي يسمع فيجيب انتهى. وبهذا سقط ما قاله أبو حيان في الاعتراض على الوجه الثاني من أن مآله إلى الله دعوة الله وهو نظير قولك: لزيد دعوة زيد ولا يصح ذلك، واستغنى عما قال العلامة الطيبي في تأويله: من أن المعنى ولله تعالى الدعوة التي تليق أن تنسب وتضاف إلى حضرته جل شأنه لكونه تعالى سميعا بصيرا كريما لا يخيب سائله فيجيب الدعاء فإن ذلك كما ترى قليل الجدوى. ويعلم ما في الكشف وجه تعلق هذه الجملة بما تقدم، وقال بعضهم:
وجه تعلق هذه والجملة التي قبلها أعني قوله تعالى: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ إن كان سبب النزول قصة أربد. وعامر أن إهلاكهما من حيث لم يشعرا به محال من الله تعالى وإجابة لدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم
فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «اللهم احبسهما عني بما شئت»
أو دلالة على رسوله ﷺ على الحق، وإن لم يكن سبب النزول ذلك فالوجه أن ذلك وعيد للكفرة على مجادلتهم الرسول ﷺ بحلول محاله بهم وتهديدهم بإجابة دعائه عليه الصلاة والسلام أن دعا عليهم أو بيان ضلالتهم وفساد رأيهم في عبادة غير الله تعالى، ويعلم مما ذكر وجه التعلق على بعض التفاسير إذا قلنا:
إن سبب النزول قصة اليهودي أو الجبار فتأمل.
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ أي الأصنام الذين يدعونهم أي المشركون، وحذف عائد الموصول في مثل ذلك كثير،

(١)
عن علي كرم الله تعالى وجهه أن دعوة الحق التوحيد
وعن ابن عباس ما هو أعم من ذلك فافهم اه منه.


الصفحة التالية
Icon