الضلال لكن الأول أولى تكثيرا للفائدة، ثم قوله تعالى: أُولئِكَ فِي ضَلالٍ دون أن يقول سبحانه: أولئك ضالون ضلالا بعيدا للدلالة على تمكنهم فيه تمكن المظروف في الظرف وتصوير اشتمال الضلال عليهم اشتمال المحيط على المحاط وليكون كناية بالغة في إثبات الوصف أعني الضلال على الأوجه فافهم.
وَما أَرْسَلْنا أي في الأمم الخالية من قبلك كما سيذكر إن شاء الله تعالى إجمالا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا متلبسا بِلِسانِ قَوْمِهِ متكلما بلغة من أرسل إليهم من الأمم المتفقة على لغة سواء بعث فيهم أولا، وقيل: بلغة قومه الذين هو منهم وبعث فيهم، ولا ينتقض الحصر بلوط عليه السلام فإنه تزوج منهم وسكن معهم، وأما يونس عليه السلام فإنه من القوم الذين أرسل إليهم كما قالوه فلا حاجة إلى القول بأن ذلك باعتبار الأكثر الأغلب ولعل الأولى ما ذكرنا. وقرأ أبو السمال. وأبو الحوراء. وأبو عمران الجوني «بلسن» بإسكان السين على وزن ذكر وهي لغة في لسان كريش ورياش، وقال صاحب اللوامح: إنه خاص باللغة واللسان يطلق عليها وعلى الجارحة وإلى ذلك ذهب ابن عطية. وقرأ أبو رجاء.
وأبو المتوكل. والجحدري «بلسن» بضم اللام والسين وهو جمع لسان كعماد وعمد. وقرئ «بلسن» بضم اللام وسكون السين وهو مخفف لسن كرسل ورسل لِيُبَيِّنَ ذلك الرسول لَهُمْ لأولئك القوم الذين أرسل إليهم ما كلفوا به فيتلقوه منه بسهولة وسرعة فيمتثلوا ذلك من غير حاجة إلى الترجمة وحيث لم تتأت هذه القاعدة في شأن سيدنا محمد ﷺ وعلى إخوانه المرسلين أجمعين لعموم بعثته وشمول رسالته الأسود والأحمر والجن والبشر على اختلاف لغاتهم وكان تعدد نظم الكتاب المنزل إليه ﷺ عليه حسب تعدد ألسنة الأمم أدعى إلى التنازع واختلاف الكلمة وتطرق أيدي التحريف مع أن استقلال بعض من ذلك بالإعجاز مئنة لقدح القادحين، واتفاق الجميع فيه أمر قريب من الإلجاء المنافي للتكليف، وحصل البيان بالترجمة والتفسير اقتضت (١)
الحكمة المنبئ عن العزة وجلالة الشأن المستتبع لفوائد غنية عن البيان، على أن الحاجة إلى الترجمة تتضاعف عند التعدد إذ لا بد لكل طائفة من معرفة توافق الكل حذو القذة بالقذة من غير مخالفة ولو في خصلة فذة، وإنما يتم ذلك بمن يترجم عن الكل واحدا أو متعددا وفيه من التعذر ما فيه، ثم لما كان أشرف الأقوام وأولاهم بدعوته عليه الصلاة والسلام قومه الذين بعث بين ظهرانيهم ولغتهم أفضل اللغات نزل الكتاب المبين بلسان عربي مبين وانتشرت أحكامه بين الأمم أجمعين، كذا قرره شيخ الإسلام والمسلمين وهو من الحسن بمكان، بيد أن بعضهم أبقى الكلام على عمومه بحيث يشمل النبي (٢)
صلى الله عليه وسلم وأراد بالقوم الذين ذلك الرسول منهم وبعث فيهم، والمراد من قومه ﷺ العرب كلهم، ونقل ذلك أبو شامة في المرشد عن السجستاني واحتج
بقوله صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف»
وفيه نظر ظاهر.
وقال ابن قتيبة: المراد منهم قريش ولم ينزل القرآن إلا بلغتهم، وقيل: إنما نزل بلغة مضر خاصة لقول عمر رضي الله تعالى عنه: نزل القرآن بلغة مضر، وعين بعضهم فيما حكاه ابن عبد البر سبعا منهم هذيل وكنانة وقيس وضبة وتيم الرباب وأسيد بن خزيمة وقريش، وأخرج أبو عبيد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: نزل بلغة الكعبين كعب قريش وكعب خزاعة فقيل: وكيف؟ فقال: لأن الدار واحدة يعني خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم وجاء عن أبي صالح عنه أنه قال: نزل على سبع لغات منها خمس بلغة العجز من هوازن ويقال لهم عليا هوازن، ومن هنا قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم يعني بني دارم، والذي يذهب مذهب السجستاني يقول: إن في القرآن ما نزل بلغة حمير. وكنانة. وجرهم. وأزدشنوءة. ومذحج وخثعم وقيس عيلان وسعد العشيرة.

(١) قوله اقتضت إلخ هكذا بخطه اه منه.
(٢) ادعى بعضهم أنه ﷺ كان يعلم كل اللغات لعموم البعثة وإن كان لم يتكلم على خلاف بغير العربية فافهم ولا تغفل اه منه.


الصفحة التالية
Icon