وكندة. وعذرة. وحضر موت. وغسان. ومزينة. ولخم. وجذام. وحنيفة. واليمامة. وسبأ. وسليم. وعمارة. وطي.
وخزاعة. وعمان. وتميم. وإنمار. والأشعريين. والأوس. والخزرج. ومدين وقد مثل لكل ذلك أبو القاسم، وذكر أبو بكر الواسطي أن في القرآن من اللغات خمسين لغة وسردها ممثلا لها إلا أنه ذكر أن فيه من غير العربية الفرس والنبط والحبشة والبربر والسريانية والعبرانية والقبط، والذاهب إلى ما ذهب إليه ابن قتيبة يقول: إن ما نسب إلى غير قريش على تقدير صحة نسبته مما يوافق لغتهم، ونقل أبو شامة عن بعض ومن جاورهم من العرب الفصحاء ثم أبيح لسائر العرب أن تقرأه بلغاتهم التي جرت عاداتهم باستعمالها كاختلافهم في اللفظ والإعراب، ولم يكلف أحد منهم الانتقال من لغته إلى لغة أخرى للمشقة. ولما كان فيهم من الحمية ولطلب تسهيل المراد لكن أنت تعلم أن هذه الإباحة لم تستمر، وكون المتبادر من قومه عليه الصلاة والسلام قريشا مما لا أظن أن أحدا يمتري فيه ويليه في التبادر العرب. وفي البحر أن سبب نزول الآية أن قريشا قالوا: ما بال الكتب كلها أعجمية وهذا عربي؟ وهذا إن صح ظاهر في العموم، ثم إنه لا يلزم من كون لغته لغة قريش أو العرب اختصاص بعثته ﷺ بهم، وإن زعمت طائفة من اليهود يقال لهم العيسوية اختصاص البعثة بالعرب لذلك، وحكمة إنزاله بلغتهم أظهر من أن تخفى، وقيل: الضمير في قَوْمِهِ لمحمد ﷺ المعلوم من السياق فإنه كما أخرج ابن أبي عن سفيان الثوري لم ينزل وحي إلا بالعربية ثم ترجم كل نبي لقومه، وقيل:
كان يترجم ذلك جبريل عليه السلام ونسب إلى الكلبي، وفيه أنه إذا لم يقع التبيين إلا بعد الترجمة فات الغرض مما ذكر، وضمير لَهُمْ للقوم بلا خلاف وهم المبين لهم بالترجمة. وفي الكشاف أن ذلك ليس بصحيح لأن ضمير لَهُمْ للقوم وهم العرب فيؤدي إلى أن الله تعالى أنزل التوراة مثلا بالعربية ليبين للعرب وهو معنى فاسد.
وتكلف الطيبي دفع ذلك بأن الضمير راجع إلى كل قوم قوم بدلالة السياق، والجواب كما في الكشف أنه لا يدفع عن الإيهام على خلاف مقتضى المقام. واحتج بعض الناس بهذه الآية على أن اللغات اصطلاحية لا توقيفية قال:
لأن التوقيف لا يحصل إلا بإرسال الرسل. وقد دلت الآية على أن إرسال كل من الرسل لا يكون إلا بلغة قومه وذلك يقتضي تقدم حصول اللغات على إرسال الرسول، وإذا كان كذلك امتنع حصول تلك اللغات بالتوقيف فوجب حصولها بالاصطلاح انتهى.
وأجيب بأنا لا نسلم توقف التوقيف على إرسال الرسل لجواز أن يخلق الله تعالى في العقلاء علما بأن الألفاظ وضعها واضع لكذا وكذا، ولا يلزم من هذا كون العاقل عالما بالله تعالى بالضرورة بل الذي يلزم منه ذلك لو خلق سبحانه في العقلاء علما ضروريا بأنه تعالى الواضع وأين هذا من ذاك، على أنه لا ضرر في التزام خلق الله تعالى هذا العلم الضروري وأي ضرر في كونه سبحانه معلوم الوجود بالضرورة لبعض العقلاء؟ والقول بأنه يبطل التكليف حينئذ على عمومه غير مسلم وعلى تخصيص بالمعرفة مسلم وغير ضار فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ إضلاله أي يخلق فيه الضلال لوجود أسبابه المؤدية إليه فيه، وقيل: يخذله فلا يلطف به لما يعلم أنه لا ينجع فيه الإلطاف وَيَهْدِي يخلق الهداية أو يمنح الألطاف مَنْ يَشاءُ هدايته لما فيه من الأسباب المؤدية إلى ذلك، والالتفات بإسناد الفعلين إلى الاسم الجليل لتفخيم شأنهما وترشيخ مناط كل منهما، والفاء قيل فصيحة مثلها في قوله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ [البقرة: ٦٠] (١)
كأنه قيل: فبينوه لهم فأضل الله تعالى من شاء إضلاله وهدى من شاء هدايته حسبما اقتضته حكمته تعالى البالغة، والحذف للإيذان بأن مسارعة كل رسول إلى ما أمر به وجريان كل من الفعلين

(١) هكذا نظمها وجاء في أصل المؤلف «فانفلق» وهو غلط اه.


الصفحة التالية
Icon