«تزور» كتحمر وهو من بناء الأفعال من غير العيوب والألوان، وقد جاء ذلك نادرا وقرأ جابر والجحدري وأبو رجاء والسختياني وابن أبي عبلة ووردان عن أبي أيوب «تزوار» كتحمار وهو في البناء كسابقه، وقرأ ابن مسعود. وأبو المتوكل «تزوئّر» بهمزة قبل الراء المشددة كتطمئن، ولعله إنما جيء بالهمزة فرارا من التقاء الساكنين وإن كان جائزا في مثل ذلك مما كان الأول حرف مد والثاني مدغما في مثله وكلها من الزور بفتحتين مع التخفيف وهو الميل، وقيده بعضهم بالخلقي، والأكثرون على الإطلاق ومنه الأزور المائل بعينه إلى ناحية ويكون في غير العين قال ابن أبي ربيعة:
وجنبي خيفة القرم أزور وقال عنتزه:

فازور من وقع القنا بلبانه وشكا إلى بعبرة وتحمحم
وقال بشر بن أبي حازم:
تؤم بها الحداة مياه نخل وفيها عن أبانين ازورار
ومنه زاره إذا مال إليه، والزور أي الكذب لميله عن الواقع وعدم مطابقته، وكذا الزور بمعنى الصنم في قوله:
جاؤوا بزوريهم وجئنا بالأصم وقال الراغب: إن الزور بتحريك الواو ميل في الزور بتسكينها وهو أعلى الصدر، والأزور المائل الزور أي الصدر وزرت فلانا تلقيته بزوري أو قصدت زوره نحو وجهته أي قصدت وجهه، والمشهور ما قدمناه، وحكي عن أبي الحسن أنه قال: لا معنى لتزور في الآية لأن الازورار الانقباض، وهو طعن في قراءة ابن عامر ومن معه بما يوجب تغيير الكنية، وبالجملة المراد إذا طلعت تروغ وتميل عَنْ كَهْفِهِمْ الذي آووا إليه فالإضافة لأدنى ملابسة ذاتَ الْيَمِينِ أي جهة ذات يمين الكهف عند توجه الداخل إلى قعره أي جانبه الذي يلي المغرب أو جهة ذات يمين الفتية ومآله كسابقه، وهو نصب على الظرفية. قال المبرد: في المقتضب ذات اليمين وذات الشمال من الظروف المتصرفة كيمينا وشمالا.
وَإِذا غَرَبَتْ أي تراها عند غروبها تَقْرِضُهُمْ أي تعدل عنهم، قال الكسائي: يقال قرضت المكان إذا عدلت عنه ولم تقر به ذاتَ الشِّمالِ أي جهة ذات شمال الكهف أي جانبه الذي يلي المشرق، وقال غير واحد:
هو من القرض بمعنى القطع تقول العرب: قرضت موضع كذا أي قطعته. قال ذو الرمة:
إلى طعن يقرضن أقواز (١) مشرف شمالا وعن إيمانهن الفوارس
والمراد تتجاوزهم وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ أي في متسع من الكهف، وهي على ما قيل من الفجا وهو تباعد ما بين الفخذين يقال رجل أفجى وامرأة فجواء، وتجمع على فجاء وفجا وفجوات. وحاصل الجملتين أنهم كانوا لا تصيبهم الشمس أصلا فتؤذيهم وهم في وسط الكهف بحيث ينالهم روح الهواء، ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حر الشمس، وذلك لأن باب الكهف كما قال عبد الله بن مسلم وابن عطية كان في مقابلة بنات نعش وأقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه والشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الأيمن، وهو الذي يلي المغرب، وتغرب محاذية لجانبه الأيسر فيقع شعاعها على جنبه، وتحلل عفونته وتعدل هواه ولا تقع عليهم فتؤذي أجسادهم وتبلي ثيابهم، ولعل ميل الباب إلى جانب المغرب كان أكثر ولذلك وقع التزاور على كهفهم والقرض على أنفسهم وقال الزجاج: ليس ذلك لما ذكر بل لمحض صرف الله تعالى الشمس بيد قدرته عن
(١) القوز بالقاف والزاي المعجمة الكثيب الصغير، ويروى أجواز، والمشرف اسم رملة معروفة، والفوارس رمال معروفة بالدهناء اه منه.


الصفحة التالية
Icon