أن تصيبهم على منهاج خرق العادة كرامة لهم وجيء بقوله تعالى: وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ حالا مبينة لكون ما ذكر أمرا بديعا كأنه قيل ترى الشمس تميل عنهم يمينا وشمالا ولا تحوم حولهم مع كونهم في متسع من الكهف معرض لإصابتها لولا أن كفها عنهم كف التقدير، واحتج عليه بقوله تعالى ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ حيث جعل ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من التزاور والقرض في الطلوع والغروب يمينا وشمالا، ولا يظهر كونه آية على القول السابق ظهوره على قوله فإن كونه آية دالة على كمال قدرة الله تعالى وحقية التوحيد وكرامة أهله عنده سبحانه على هذا أظهر من الشمس في رابعة النهار. وكان ذلك قبل سد باب الكهف على ما قيل، وقال أبو علي: معنى تقرضهم تعطيهم من ضوئها شيئا ثم تزول سريعا وتسترد ضوءها فهو كالقرض يسترده صاحبه، وحاصل الجملتين عنده أن الشمس تميل بالغدوة عن كهفهم وتصيبهم بالعشي إصابة خفيفة، ورد بأنه لم يسمع للقرض بهذا المعنى فعل ثلاثي ليفتح حرف المضارعة، واختار بعضهم كون المراد ما ذكر إلا أنه جعل تقرضهم من القرض لهم وأن المعنى وإذا غربت تقطع لهم من ضوئها شيئا، والسبب لاختياره ذلك توهمه أن الشمس لو لم تصب مكانهم أصلا لفسد هواؤه وتعفن ما فيه فيصير ذلك سببا لهلاكهم وفيه ما فيه، وأكثر المفسرين على أنهم لم تصبهم الشمس أصلا وإن اختلفوا في منشأ ذلك.
واختار جمع أنه لمحض حجب الله تعالى الشمس على خلاف ما جرت به العادة قالوا: والإشارة تؤيد ذلك أتم تأييد والاستبعاد مما لا يلتفت إليه لا سيما فيما نحن فيه فإن شأن أصحاب الكهف كله على خلاف العادة.
وبعض من ذهب إلى أن المنشأ كون باب الكهف في مقابلة بنات نعش جعل ذلك إشارة إلى إيوائهم إلى كهف هذا شأنه وبعض آخر جعله إشارة إلى حفظ الله تعالى إياهم في ذلك الكهف المدة الطويلة وآخر جعله إشارة إلى اطلاعه سبحانه رسوله صلّى الله عليه وسلّم على أخبارهم. واعترض على الأخيرين بأنه لا يساعدهما إيراد ذلك في تضاعيف القصة، وجعله بعضهم إشارة إلى هدايتهم إلى التوحيد ومخالفتهم قومهم وآباءهم وعدم الاكتراث بهم وبملكهم مع حداثتهم وإيوائهم إلى كهف شأنه ذلك ولا يخلو عن حسن وإليه أميل والله تعالى أعلم.
وقرئ «يقرضهم» بالياء آخر الحروف ولعل الضمير عائد على غروب الشمس.
وقال أبو حيان: أي يقرضهم الكهف مَنْ يَهْدِ اللَّهُ من يدله سبحانه دلالة موصولة إلى الحق ويوفقه لما يحبه ويرضاه فَهُوَ الْمُهْتَدِ الفائز بالحظ الأوفر في الدارين، والمراد إما الثناء على أصحاب الكهف والشهادة لهم بإصابة المطلوب والاخبار بتحقق ما أملوه من نشر الرحمة وتهيئة المرفق أو التنبيه على أن أمثال هذه الآيات كثيرة ولكن المشفع بها من وفقه الله تعالى للتأمل فيها والاستبصار بها فالمراد بمن إما الفتية أو ما يعمهم وغيرهم وفيه ثناء عليهم أيضا وهو كما ترى.
وجعله بعضهم ثناء على الله تعالى لمناسبة قوله سبحانه وَزِدْناهُمْ هُدىً وربطنا وملاءمة قوله عز وجل وَمَنْ يُضْلِلْ يخلق فيه الضلال لصرف اختياره إليه فَلَنْ تَجِدَ لَهُ أبدا وإن بالغت في التتبع والاستقصاء وَلِيًّا ناصرا مُرْشِداً يهديه إلى الحق ويخلصه من الضلال لاستحالة وجوده في نفسه لا أنك لا تجده مع وجوده أو إمكانه إذ لو أريد مدحهم لا كتفى بقوله تعالى «فهو المهتد» وفيه أنه لا يطابق المقام والمقابلة لا تنافي المدح بل تؤكده ففيه تعريض بأنهم أهل الولاية والرشاد لأن لهم الولي المرشد، ولعل في الآية صنعة الاحتباك.
وَتَحْسَبُهُمْ بفتح السين.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي بكسرها أي تظنهم، والخطاب فيه كما فيما سبق. والظاهر أن هذا


الصفحة التالية
Icon