وليس كذلك، ودفع بأنه من باب- ضيق فم الركية- وهو مجاز معروف واستظهر هذا أبو حيان، والمعنى جعلنا الملوين بهيئاتهما وتعاقبهما واختلافهما في الطول والقصر على وتيرة عجيبة آيتين تدلان على أن لهما صانعا حكيما قادرا عليما ويهديان إلى ما هدى إليه القرآن الكريم من الإسلام والتوحيد.
فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ الإضافة هنا وفيما بعد إما بيانية كما في إضافة العدد إلى المعدود نحو أربع نسوة أي محونا الآية التي هي اللّيل أي جعلنا الليل ممحو الضوء مطموسه مظلما لا يستبين فيه شيء كما لا يستبين ما في اللوح الممحو وإلى ذلك ذهب صاحب الكشاف.
وروي عن مجاهد وهو على نحو- ضيق فم الركية- والفاء تفسيرية لأن المحو المذكور وما عطف عليه ليسا مما يحصل عقيب جعل الجديدين آيتين بل هما من جملة ذلك الجعل ومتمماته، وقيل معنى محو الليل إزالة ظلمته بالضوء، ورجح بأن فيه إبقاء المحو على حقيقته وهو إزالة الشيء الثابت وليس فيما ذكره الزمخشري ذلك ولا ينبغي العدول عن الحقيقة بلا ضرورة. وتعقب بأنه يكفي ما بعده قرينة على تلك الإرادة فإن محو الليل في مقابله جعل النهار مبصرا، وعلى ما ذكر من المعنى الحقيقي لا يتعلق بمحو الليل فائدة زائدة على ما بعده، وقيل عليه إن الظلمة هي الأصل والنور طارئ فكون الليل مخلوقا مطموس الضوء مفروغ عنه فالمراد بيان أن الله تعالى خلق الزمان ليلا مظلما ثم جعل بعضه نهارا بأحداث الإشراق لفائدة ذكرها سبحانه، وكون محو الليل في مقابلة جعل النهار مضيئا لا يوجب حمله على المجاز لفائدة بيان إبقاء بعض الزمان على إظلامه وجعل بعضه مضيئا اه ولا يخفى ما فيه من التكلف وأن المقام لا يلائمه فالمعول عليه ما في الكشاف.
وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ أي الآية التي هي النهار مُبْصِرَةً أي مضيئة فهو مجاز بعلاقة السببية أو الإسناد مجازي كما في- نهاره صائم- والمراد يبصر أهلها أو الصيغة للنسب أي ذات إبصارهم أو هي من أبصره المتعدي أي جعله مبصرا ناظرا والإسناد إلى النهار مجازي أيضا من الإسناد إلى السبب العادي والفاعل الحقيقي هو الله تعالى أو من باب أفعل المراد به غير من أسند إليه كأضعف الرجل إذا كانت دوابه ضعافا وأجبن إذا كان أهله جبناء فأبصرت الآية بمعنى صار أهلها بصراء.
وروي ذلك عن أبي عبيدة وهو معنى وضعي لا مجازي.
وقرأ قتادة وعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما «مبصرة» بفتح الميم والصاد
وهو مصدر أقيم مقام غيره وكثر مثل ذلك في صفات الأمكنة كأرض مسبعة ومكان مضبة وإما إضافة لأمية وآيتا الليل والنهار نيراهما القمر والشمس ويحتاج حينئذ في قوله تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ إلى تقدير مضاف في الأول والثاني أي جعلنا نيري الليل والنهار آيتين أو جعلنا الليل والنهار ذوي آيتين أن جعل جعل متعديا إلى مفعولين والليل والنهار هو المفعول الأول وآيتين الثاني، فإن عكس كما استظهره أبو حيان وجعل الليل والنهار نصبا على الظرفية في موضع المفعول الثاني أي جعلنا في الليل والنهار آيتين وهما النيران لا يحتاج إلى تقدير كما إذا جعل الجعل متعديا لواحد والليل والنهار منصوبان على الظرفية كما جوزه المعربون. ومحو آية الليل وهي القمر على ما تدل عليه الآثار إزالة ما ثبت لها من النور يوم خلقت، فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية أنه قال: كان القمر يضيء كما تضيء الشمس وهو آية الليل فمحى فالسواد الذي في القمر أثر ذلك المحو.
وأخرج عبد بن حميد وغيره عن عكرمة أنه قال: خلق الله تعالى نور الشمس سبعين جزءا ونور القمر سبعين سبعين جزءا فمحى من نور القمر تسعة وستين جزءا فجعله مع نور الشمس فالشمس على مائة وتسعة وثلاثين جزءا


الصفحة التالية
Icon