وجوز أن يكون مفعولا له لأنزلنا ولِتَشْقى ظرف مستقر في موضع الصفة للقرآن أي ما أنزلنا القرآن الكائن أو المنزل لتعبك إلا تذكرة، وفيه تقدير المتعلق مقرونا باللام وحذف الموصول مع بعض صلته وقد أباه بعض النحاة، وكون أل حرف تعريف خلاف الظاهر، وقيل: هي نصب على المصدرية لمحذوف أي لكن ذكرناه به تذكرة، وقوله تعالى: تَنْزِيلًا كذلك أي نزل تنزيلا، والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها. وقيل: لما تفيده الجملة الاستثنائية فإنها متضمنة لأن يقال: إنا أنزلناه للتذكرة والأول أنسب لما بعده من الالتفات. وقيل: منصوب على المدح والاختصاص.
وقيل: بيخشى على المفعولية. واستبعدهما أبو حيان وعد الثاني في غاية البعد لأن «يخشى» رأس آية فلا يناسب أن يكون تَنْزِيلًا مفعوله. وتعقب أيضا بأن تعليق الخشية والخوف ونظائرهما بمطلق التنزيل غير معهود. نعم قد تعلق ذلك ببعض أجزائه المشتملة على الوعيد ونحوه كما في قوله تعالى يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ [التوبة: ٦٤].
وأنت تعلم أن المعنى على هذا الوجه إلا تذكرة لمن يخشى المنزل من قادر قاهر وهو مما لا خلل فيه، وأمر عدم المعهودية سهل. وقيل: هو بدل من تَذْكِرَةً بناء على أنها حال من الكاف أو الْقُرْآنَ كما نقل سابقا وهو بدل اشتمال. وتعقبه أبو حيان بأن جعل المصدر حالا لا ينقاس، ومع هذا فيه دغدغة لا تخفى، ولم تجوز البدلية منها على تقدير أن تكون مفعولا له ل. نزلنا لفظا أو معنى لأن البدل هو المقصور فيصير المعنى أنزلناه لأجل التنزيل وفي ذلك تعليل الشيء بنفسه إن كان الإنزال والتنزيل بمعنى بحسب الوضع أو بنوعه إن كان الإنزال عاما والتنزيل مخصوصا بالتدريجي وكلاهما لا يجوز.
وقرأ ابن عبلة «تنزيل» بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو تنزيل مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى متعلق بتنزيل. وجوز أن يكون متعلقا بمضمر هو صفة له مؤكدة لما في تنكيره من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية. ونسبة التنزيل إلى الموصول بطريق الالتفات إلى الغيبة بعد نسبة الإنزال إلى نون العظمة لبيان فخامته تعالى شأنه بحسب الأفعال والصفات إثر بيانها بحسب الذات بطريق الإبهام ثم التفسير لزيادة تحقيق تقرير. واحتمال كون أَنْزَلْنا إلخ حكاية لكلام جبرائيل والملائكة النازلين معه عليهم السّلام بعيد غاية البعد.
وتخصيص خلق الأرض والسموات بالذكر مع أن المراد خلقهما بجميع ما يتعلق بهما كما يؤذن به قوله تعالى لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الآية لأصالتهما واستتباعهما لما عداهما، وقيل: المراد بهما ما في جهة السفل وما في جهد العلو، وتقديم خلق الأرض قيل لأنه مقدم في الوجود على خلق السموات السبع كما هو ظاهر آية حم السجدة أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت: ٩] الآية. وكذا ظاهر آية [البقرة: ٢٩] هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ الآية.
ونقل الواحدي عن مقاتل أن خلق السموات مقدم، واختاره كثير من المحققين لتقديم السموات على الأرض في معظم الآيات التي ذكرا فيها واقتضاء الحكمة تقديم خلق الأشرف والسماء أشرف من الأرض ذاتا وصفة مع ظاهر آية [النازعات: ٢٧] أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها الآية، واختار بعض المحققين أن خلق السموات بمعنى إيجادها بمادتها قبل خلق الأرض وخلقها بمعنى إظهارها بآثارها بعد خلق الأرض وبذلك يجمع بين الآيات التي يتوهم تعارضها، وتقديم السموات في الذكر على الأرض تارة والعكس أخرى بحسب اقتضاء المقام وهو أقرب إلى التحقيق، وعليه وعلى ما قبله فتقديم خلق الأرض هنا قيل لأنه أوفق بالتنزيل الذي هو من أحكام رحمته تعالى كما ينبىء عنه ما بعد وقوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن: ١، ٢] ويرمز إليه ما قبل فإن الانعام على الناس بخلق الأرض أظهر وأتم


الصفحة التالية
Icon