التعريف للعهد لأن استواء الجهر والسر عنده سبحانه المدلول عليه في الكلام يقتضي أن الجهر المذكور في خطابه عز وجل، وعلى القولين قوله تعالى فَإِنَّهُ إلخ قائم مقام جواب الشرط وليس الجواب في الحقيقة لأن علمه تعالى السر وأخفى ثابت قبل الجهر بالقول وبعده وبدونه.
والأصل عند البعض وإن يجهر بالقول فاعلم أن الله تعالى يعلمه فإنه يعلم السر وأخفى فضلا عنه. وعند الجماعة وإن تجهر فاعلم أن الله سبحانه غني عن جهرك فإنه إلخ، وهذا على ما قيل إرشاد للعباد إلى التحري والاحتياط حين الجهر فإن من علم أن الله تعالى يعلم جهره لم يجهر بسوء، وخص الجهر بذلك لأن أكثر المحاورات ومخاطبات الناس به، وقيل: إرشاد للعباد إلى أن الجهر بذكر الله تعالى ودعائه ليس لإسماعه سبحانه بل لغرض آخر من تصوير النفس بالذكر وتثبيته فيها ومنعها من الاشتغال بغيره وقطع الوسوسة وغير ذلك، وقيل: نهي عن الجهر بالذكر والدعاء كقوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ [الأعراف: ٢٠٥] وأنت تعلم أن القول بأن الجهر بالذكر والدعاء منهي لا ينبغي أن يكون على إطلاقه.
والذي نص عليه الإمام النووي في فتاويه أن الجهر بالذكر حيث لا محذور شرعيا مشروع مندوب إليه بل هو أفضل من الإخفاء في مذهب الإمام الشافعي وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد وإحدى الروايتين عن الإمام مالك بنقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري وهو قول لقاضيخان في فتاويه في ترجمة مسائل كيفية القراءة وقوله في باب غسل الميت: ويكره رفع الصوت بالذكر، فالظاهر أنه لمن يمشي مع الجنازة كما هو مذهب الشافعية لا مطلقا كما تفهمه عبارة البحر الرائق وغيره وهو قول الإمامين في تكبير عيد الفطر كالأضحى، ورواية عن الإمام أبي حنيفة نفسه رضي الله تعالى عنه بل في مسنده ما ظاهره استحباب الجهر بالذكر مطلقا، نعم قال ابن نجيم في البحر نقلا عن المحقق ابن الهمام في فتح القدير ما نصه قال أبو حنيفة: رفع الصوت بالذكر بدعة مخالفة للأمر من قوله تعالى وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ الآية فيقتصر على مورد الشرع، وقد ورد به في الأضحى وهو قوله سبحانه وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ [البقرة: ٢٠٣].
وأجاب السيوطي في نتيجة الذكر عن الاستدلال بالآية السابقة بثلاثة أوجه، الأول أنها مكية ولما هاجر صلّى الله عليه وسلّم سقط ذلك، الثاني أن جماعة من المفسرين منهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير حملوا الآية على الذكر حال قراءة القرآن وأنه أمر له عليه الصلاة والسّلام بالذكر على هذه الصفة تعظيما للقرآن أن ترفع عنده الأصوات، ويقويه اتصالها بقوله تعالى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ [الأعراف: ٢٠٤] الآية، الثالث ما ذكره بعض الصوفية أن الأمر في الآية خاص بالنبي صلّى الله عليه وسلّم الكامل المكمل وأما غيره عليه الصلاة والسّلام ممن هو محل الوساوس فمأمور بالجهر لأنه أشد تأثيرا في دفعها وفيه ما فيه.
واختار بعض المحققين أن المراد دون الجهر البالغ أو الزائد على قدر الحاجة فيكون الجهر المعتدل، والجهر بقدر الحاجة داخلا في المأمور به، فقد صح ما يزيد على عشرين حديثا في أنه صلّى الله عليه وسلّم كثيرا ما كان يجهر بالذكر.
وصح عن أبي الزبير أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون»
وهو محمول على اقتضاء حاجة التعليم ونحوه لذلك، وما
في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري قال: كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصما ولا غائبا إنه


الصفحة التالية
Icon