من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي محبة عظيمة كائنة مني قد زرعتها في القلوب فكل من رآك أحبك بحيث لا يصبر عنك، قال مقاتل: كان في عينيه ملاحة ما رآه أحد إلا أحبه، وقال ابن عطية: جعلت عليه مسحة جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه، روي أن أمه عليه السّلام حين أوحي إليها ما أوحي جعلته في تابوت من خشب، وقيل: من بردى عمله مؤمن آل فرعون وسدت خروقه وفرشت فيه نطعا، وقيل: قطنا محلوجا وسدت فمه وجصصته وقيرته وألقته في اليم فبينما فرعون في موضع يشرف على النيل وامرأته معه إذ رأى التابوت عند الساحل فأمر به ففتح فإذا صبي أصبح الناس وجها فأحبه هو وامرأته حبا شديدا.
وقيل: إن التابوت جاء في الماء إلى المشرعة التي كانت جواري امرأة فرعون يستقين منها الماء فأخذن التابوت وجئن به إليها وهن يحسبن أن فيه مالا فلما فتحنه رأته عليه السّلام فأحبته وأعلمت فرعون وطلبت منه أن يتخذه ولدا، وقالت: قرة عين لي ولك لا تقتلوه، فقال لها: يكون لك وأما أنا فلا حاجة لي فيه. ومن هنا
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما رواه النسائي وجماعة عن ابن عباس: «والذي يحلف به لو أقر فرعون بأن يكون قرة عين له كما قالت امرأته لهداه الله تعالى به كما هدى به امرأته ولكن الله عز وجل حرمه ذلك»
، وقيل: إن فرعون كان جالسا على رأس بركة له في بستان ومعه امرأته فرأى التابوت وقد دفعه الماء إلى البركة من نهر يشرع من اليم فأمر بإخراجه فأخرج ففتح فإذا صبي أجمل الناس وجها فأحبه حتى لا يكاد يصبر عنه، وروي أنه كان بحضرته حين رأى التابوت أربعمائة غلام وجارية فحين أشار بأخذه وعد من يسبق إلى ذلك بالإعتاق فتسابقوا جميعا ولم يظفر بأخذه إلا واحد منهم فاعتق الكل، وفي هذا ما يطمع المقصر في العمل من المؤمنين برحمة الله تعالى فإنه سبحانه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وقيل: كلمة من متعلقة بألقيت فالمحبة الملقاة بحسب الذوق هي محبة الله تعالى له أي أحببتك ومن أحبه الله تعالى أحبته القلوب لا محالة، واعترض القاضي على هذا بأن في الصغر لا يوصف الشخص بمحبة الله تعالى إياه فإنها ترجع إلى إيصال الثواب وهو إنما يكون للمكلف. ورد بأن محبة الله تعالى عند المؤولين عبارة عن إرادة الخير والنفع وهو أعم من أن يكون جزاء على عمل أولا يكون والرد عند من لا يؤول أظهر، وجوز بعضهم إرادة المعنى الثاني على القول الأول في التعلق وإرادة المعنى الأول على القول الثاني فيه، وزعم أن وجه التخصيص غير ظاهر وهو لا يخفى على ذي ذهن مستقيم وذوق سليم.
وقوله تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي متعلق بألقيت على أنه عطف على علة مضمرة أي ليتعطف عليك ولتصنع أو متعلق بفعل مضمر مؤخر أي ولتصنع إلخ فعلت ذلك أي إلقاء المحبة عليك، وزعم أنه متعلق بألقيت على أن الواو مقحمة ليس بشيء وعلى عيني أي بمرأى مني متعلق بمحذوف وقع حالا من المستتر في «تصنع» وهو استعارة تمثيلية للحفظ والصون فإن المصون يجعل بمرأ والصنع الإحسان، قال النحاس: يقال صنعت الفرس إذا أحسنت إليه.
والمعنى وليفعل بك الصنيعة والإحسان وتريى بالحنو والشفقة وأنا مراعيك ومراقبك كما يراعي الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به. ويجعل ذلك تمثيلا يندفع ما قاله الواحدي من أن تفسير عَلى عَيْنِي بما تقدم صحيح ولكن لا يكون في ذلك تخصيص لموسى عليه السّلام فإن جميع الأشياء بمرأى من الله تعالى على أنه قد يقال: هذا الاختصاص للتشريف كاختصاص عيسى عليه السّلام بكلمة الله تعالى والكعبة ببيت الله تعالى مع أن الكل موجود بكن وكل البيوت بيت الله سبحانه، وقال قتادة: المعنى لتغذى على محبتي وإرادتي وهو اختيار أبي عبيدة. وابن الأنباري وزعم الواحدي أنه الصحيح. وقرأ الحسن وأبو نهيك ولتصنع» بفتح التاء، قال ثعلب: المعنى لتكون حركتك وتصرفك على عين مني لئلا تخالف أمري.
وقرأ أبو جعفر في رواية «ولتصنع» بكسر اللام وجزم الفعل بها لأنها لام الأمر وأمر المخاطب باللام شاذ لكن لما


الصفحة التالية
Icon