وزاد غير واحد كون واحد من الزوجين مساويا الآخر في شرائط الإحصان وقت الإصابة بحكم النكاح فلو تزوج الحر المسلم البالغ العاقل أمة أو صبية أو مجنونة أو كتابية ودخل بها لا يصير محصنا بهذا الدخول حتى لو زنى من بعد لا يرجم، وكذا لو تزوجت الحرة البالغة العاقلة المسلمة من عبد أو مجنون أو صبي ودخل بها لا تصير محصنة فلا ترجم لو زنت بعد.
وذكر ابن الكمال شرطا آخر وهو أن لا يبطل إحصانهما بالارتداد فلو ارتد والعياذ بالله تعالى ثم أسلما لم يعد إلا بالدخول بعده ولو بطل بجنون أو عته عاد بالإفاقة، وقيل بالوطء بعده. والشافعي لا يشترط المساواة في شرائط الإحصان وقت الإصابة فلا رجم عنده في المسألتين السابقتين، وكذا لا يشترط الإسلام فلو زنى الذمي الثيب الحر يجلد عندنا ويرجم عنده وهو رواية عن أبي يوسف وبه قال أحمد، وقول مالك كقولنا.
واستدل المخالف بما
في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكروا له أن امرأة منهم ورجلا زنيا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟
فقالوا: نفضحهم ويجلدون فقال عبد الله بن سلام: كذبتم فيما زعمتم أن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فسردوها فوضع أحدهم يعني عبد الله بن صور يا يده على آية الرجم وقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا آية الرجم فقالوا: صدق يا محمد فأمر بهما النبي صلّى الله عليه وسلّم فرجما.
ودليلنا ما
رواه إسحاق بن رهوايه في مسنده قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أشرك بالله فليس بمحصن»
وقد رفع هذا الخبر كما قال إسحاق مرة ووقف أخرى، ورواه الدارقطني في سننه وقال: لم يرفعه غير راهويه بن راهويه، ويقال: إنه رجع عن ذلك والصواب أنه موقوف اهـ.
وفي العناية أن لفظ إسحاق كما تراه ليس فيه رجوع وإنما ذكر عن الراوي أنه مرة رفعه ومرة أخرجه مخرج الفتوى ولم يرفعه ولا شك في أن مثله بعد صحة الطريق إليه محكوم برفعه على ما هو المختار في علم الحديث من أنه إذا تعارض الرفع والوقف حكم بالرفع وبعد ذلك إذا خرج من طرق فيها ضعف لا يضر.
وأجاب بعض أجلة أصحابنا بأنه كان الرجم مشروعا بدون اشتراط الإسلام حين رجم صلّى الله عليه وسلّم الرجل والمرأة اليهوديين وذلك بما أنزله الله تعالى إليه عليه الصلاة والسلام، وسؤاله صلّى الله عليه وسلّم اليهود عما يجدونه في التوراة في شأنه ليس لأن يعلم حكمه من ذلك.
والقول بأنه عليه الصلاة والسلام كان أول ما قدم المدينة مأمورا بالحكم بما في التوراة ممنوع بل ليس ذلك إلا ليبكتهم بترك الحكم بما أنزل الله تعالى عليهم فلما حصل الغرض حكم صلّى الله عليه وسلّم برجمهما بشرعه الموافق لشرعهم وإذا علم أن الرجم كان ثابتا في شرعنا حال رجمها بلا اشتراط الإسلام. وقد ثبت حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما المفيد لاشتراط الإسلام وليس تاريخ يعرف به تقدم اشتراط الإسلام على عدم اشتراطه أو تأخره عنه حصل التعارض بين فعله صلّى الله عليه وسلّم رجم اليهوديين وقوله المذكور فيطلب الترجيح، وقد قالوا: إذا تعارض القول والفعل ولم يعلم المتقدم من المتأخر يقدم القول على الفعل، وفيه وجه آخر وهو أن تقديم هذا القول موجب لدرء الحد وتقديم ذلك الفعل يوجب الاحتياط في إيجاب الحد والأولى في الحدود ترجيح الرافع عند التعارض.
ولا يخفى أن كل مترجح فهو محكوم بتأخره اجتهادا فيكون المعول عليه في الحكم حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وقول المخالف: إن المراد بالمحصن فيه المحصن الذي يقتص له من المسلم خلاف الظاهر لأن أكثر استعمال الإحصان في إحصان الرجم.


الصفحة التالية
Icon