فهذا الذي ذكره الإمام النووي رحمه الله تعالى مع أنه من الإيجاز بمكان إلا أنه في غاية الوضوح والبيان، وليس على القارىء إلا أن يراعي في هذه المواضع التي عددها الإمام النووي للاستشهاد مثل الذي ضربنا له الأمثال من الاعتبارات بالاستطراد. وليقس القارىء ما ذكره الإمام النووي وذكرناه على ما لم نذكره جميعاً في سائر المصحف الشريف فلا يقطع التلاوة إلا على معنى تام يحسن الاستئناف بما بعده على حدة. وليجعل رائده في كل ذلك توخي الوفاء بالمعنى المراد ما استطاع في البدء والمنتهى. فهو أحجى لأولي النهى. وإنه ليثاب على نيته هذه متى توخاه. والله يتولى الجميع بهداه ويوفقهم لما يرضاه.
التنبيه الثاني: في بيان وجوب الابتداء بلفظ "الذي والذين" في مواضع خاصة في القرآن الكريم وكنا قد وعدنا بذكرها في فصل تعريف الابتداء وما يلزم فيه ووفاء بالوعد نقول:
قال الإمام بدر الدين الزركشي في كتابه "البرهان في علوم القرآن" ما نصه "قاعدة" في الذي والذين في القرآن: جميع ما في القرآن من "الذي" و"الذين" يجوز فيه الوصل بما قبله نعتاً له والقطع على أنه خبر مبتدأ إلا في سبعة مواضع فإن الابتداء بها هو المعين:
الأول: قوله: ﴿الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ﴾ [البقرة: ١٢١].
الثاني: قوله: ﴿الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦].
الثالث: في الأنعام كذلك.
الرابع: قوله: ﴿الذين يَأْكُلُونَ الربا لاَ يَقُومُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٥].
الخامس: قوله في سورة التوبة: ﴿الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ الله﴾ [الآية: ٢٠].